(قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ)[هود: ٥٣]، وهاهنا مع الواو، فأي فرق بينهما؟ قلت: الذي بغير واو على تقدير سؤال سائل قال: فما قال قومه؟ فقيل له: قالوا كيت وكيت. وأما الذي مع الواو، فعطف لما قالوه على ما قاله. ومعناه: أنه اجتمع في الحصول هذا الحق وهذا الباطل، وشتان ما هما (بِلِقاءِ الْآخِرَةِ) بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب، كقولك: يا حبذا جوار مكة: أى جوار الله في مكة.
قوله:(وشتان ما هما)، الجوهري: شتان ما عمرو وأخوه، أي: بعُدَ ما بينهما. الأصمعي: لا يقال: شتان ما بينهما. وشتان مصروفٌ عن شتُتَ، والفتحة التي في النون هي الفتحة التي كانت في التاء، لتدل على أنه مصروفٌ عن الفعل الماضي، وكذلك سرعان ووشكان: مصروفٌ عن سرُع ووشك. وقال ابن جني: شتان: اسمُ "افترق"، كما أن هيهات: اسمُ "بعُدَ"، وأفٍّ: اسمُ "اتضجرُ".
قوله:(جوار مكة، أي: جوار الله في مكة)، وهذا أيضاً مجاز؛ لأن الجوار يستدعي من يكون في جواره، لكنه تعالى لما أضاف البيت إلى نفسه، فمن أقام فيه فكأنه في جوار الله فقيل: جار الله.
النهاية: وفي الحديث: "أنه كان يُجاورُ في العشر الأواخر من رمضان"، أي: يعتكفُ. وهي مفاعلةٌ من الجوار. فأما المجاور بمكة المدينة: فيرادُ بها المقامُ مطلقاً غير ملتزم بشرائط الاعتكاف الشرعي.