للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإما أن يتعلق بـ (نَزَلَ)، فيكون المعنى: نزله باللسان العربي؛ لتنذر به، لأنه لو نزله باللسان الأعجمى، لتجافوا عنه أصلا، ولقالوا: ما نصنع بما لا نفهمه فيتعذر الإنذار به. وفي هذا الوجه: أن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك، لأنك تفهمه ويفهمه قومك. ولو كان أعجميا لكان نازلا على سمعك دون قلبك، لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها، وقد يكون الرجل عارفا بعدّة لغات، فإذا كلم بلغته التي لقنها أو لا ونشأ عليها وتطبع بها، لم يكن قلبه إلا إلى معاني الكلام يتلقاها بقلبه ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت، وإن كلم بغير تلك اللغة وإن كان ماهرا بمعرفتها، كان نظره أولا في ألفاظها ثم في معانيها، فهذا تقرير أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربى مبين. (وَإِنَّهُ): وإن القرآن، يعني: ذكره مثبت في سائر الكتب السماوية. وقيل: إن معانيه فيها. وبه يحتج لأبي حنيفة رحمه الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وقيل: إن معانيه فيها)، وفيه إشعارٌ بأن الوجه هو الأول، لأن المقصود في الإيراد إثبات النبوة، وتقريع المكذبين على أن القرآن المجيد نازلٌ من عند الله نزل به الروح الأمين، وأنه ليس من قبيل إلقاء الجن: {وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ}، وفي قوله: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ} إيماءٌ على بيان $$$$، وأنه بنفسه دليلٌ بينٌ على حقيقته، ومع ذلك أنه مذكورٌ في كتب الأولين، ومبشرٌ على لسان الأقدمين، ويؤيده قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} والضمير في {يَعْلَمَهُ} راجعٌ إلى القرآن، ولذلك قال: {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ} [القصص: ٥٣]. ولقد أنصف المصنف من نفسه في الفروع في هذا المقام وفي كثيرٍ مما يحاكيه، ليته ما بالغ في الأصول، تجاوز الله تعالى عنه.

وقال صاحب "التقريب": وفي الاحتجاج نظرٌ، لأنه على حذف المضاف، وهو المعاني، لا على تسميتها قرآناً. ولناصر القول الثاني أن يقول: إن الضمير في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هو هذا بعينه، كرر لإناطة معنى آخر به، وهو بمعنى اسم الإشارة، والمشار إليه ما سبق من القصص والآيات، يدل عليه قوله: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ}، يعني: ما نزل من هذه القصص والآيات، فيكون المعنى: إن هذ المذكور منزلٌ عليك بلسانٍ عربيٍّ مبين ومعانيه

<<  <  ج: ص:  >  >>