للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واجبة فيهما جميعا، لأنّ مواضع السجدة؛ إما أمر بها، أو مدح لمن أتى بها، أو ذم لمن تركها، وإحدى القراءتين أمر بالسجود، والأخرى ذم للتارك. وقد اتفق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وإحدى القراءتين أمرٌ بالسجود، والأخرى ذمٌ للتارك)، يريد القراءة بتخفيف {أَلَّا يَسْجُدُوا} وبتثقيلها، وقلت: أما المعنى على التثقيل وبيان الذم، فإن الهدهد أخبر نبي الله أنه وجد قومًا مرتكبين أمرًا فظيعًا، حيث يسجدون لما لا ينبغي السجود له، ويمتنعون عن سجود من يجب عليهم سجوده، ثم بين لهم بعض وجه امتناعهم عن السجود لله تعالى إلى السجود للغير بقوله: {وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}، لأن الواو تقتضي معطوفًا عليه هو سببٌ لما تقدم، المعنى: ذلك بأن الله رقم عليهم الشقاوة وحرمهم التوفيق، وسلط عليهم الشيطان حتى زين لهم الكفر، فسجدوا لمن لا يستحقه، لكونه مخلوقًا مسخرًا، فصدهم عن الطريق المستقيم بأن امتنعوا عن السجود لمن يستحقه، لتفرده بكمال القدرة من إخراج الخبء من الأرض والسماوات، وشمول العلم بالخفيات.

والمعنى على التخفيف: إذا كان "ألا يسجدوا" من كلام الهدهد، فالمخاطبون إما بلقيس وقومها، وهم غيبٌ، فإن الهدهد عند هذا التقرير احتمى وغضب عليهم لله تعالى، فجعلهم حضارًا، والتفت إليهم فكافحهم به، وواجههم، أو نبه من بحضرة نبي الله، ليثبتوا على ما هم فيه، ويغتنموا فرصة الإسلام.

وأما قوله: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} فكالاستدراك والترقي، فإن الهدهد لما وصف الله تعالى بما في خزانة خياله من إخراج الخبء رأى بعد ذلك تقصيره في ذلك الرتب، لأن السجود غاية الخضوع والتذلل، ولا يستوجبه إلا من له غاية الجلال والعظمة والكبرياء، فثنى إلى قوله: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، ولذلك قطعه من الأوصاف الجارية على الله، وأتى باسم الذات الجامعة، وقرنه بكلمة التوحيد، وأردفه بقوله: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}.

قال الجوهري: المعنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا. وقال بعضهم: إن "يا" في هذا الموضع

<<  <  ج: ص:  >  >>