للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذلك أن الله آتاني الدين الذي فيه الحظ الأوفر والغنى الأوسع، وآتاني من الدنيا ما لا يستزاد عليه، فكيف يرضى مثلي بأن يمدّ بمال ويصانع به؟

(بَلْ أَنْتُمْ) قوم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا، فلذلك (تَفْرَحُونَ) بما تزادون ويهدى إليكم، لأن ذلك مبلغ همتكم وحالى خلاف حالكم، وما أرضى منكم بشيء ولا أفرح به إلا بالإيمان وترك المجوسية. فإن قلت: ما الفرق بين قولك: أتمدني بمال وأنا أغنى منك، وبين أن تقوله بالفاء؟ قلت: إذا قلته بالواو، فقد جعلت مخاطبى عالما بزيادتي عليه في الغنى واليسار، وهو مع ذلك يمدني بالمال. وإذا قلته بالفاء، فقد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإضراب، وأولى بها الضمير، وجعل مبتدأ ليفيد، إما تقوى الحكم، أو الاختصاص، نحو: أنت عرفت.

قوله: (إذا قلته بالواو، فقد جعلت مخاطبي عالمًا بزيادتي عليه في الغنى)، لأن الواو للحال، وذو الحال فاعل "يمدني" والحال مقيدة، فيكون فاعل المقيد عالماً بالمقيد بخلاف الفاء، لأنها لتعليل الإنكار، فالمتكلم يشير بها إلى تعليل إنكاره.

قال صاحب "الفرائد" الفاء هاهنا مستعملٌ للترتيب والتعقيب، كأنه قال: لا أقبل إمدادك بمالٍ، فقال المخاطب: لم لا تقبل؟ فأجيب: لأني أغنى منك، فلما كان هذا الجواب مرتبًا على السؤال، ومعقبًا له، ترك السؤال وجيء بالفاء، وأما الواو فإنها تفيد الجمع، وهو للحال، فكأنه قال: لا أقبل منك إمدادك بمالٍ في هذه الحال، وهي كوني أغنى منك.

وقلت: الواو في مثل هذا التركيب تكون للحال، وتسمى بالحال المقررة لجهة الإشكال، أي: أتمدونني بمالٍ وأنتم تعلمون أني غنيٌ! كقول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: ٣٠]، وقولهم:

<<  <  ج: ص:  >  >>