للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جعلته ممن خفيت عليه حالي، فأنا أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده، كأني أقول له: أنكر عليك ما فعلت، فإني غني عنه. وعليه ورد قوله: (فَما آتانِيَ اللَّهُ). فإن قلت: فما وجه الإضراب؟ قلت: لما أنكر عليهم الإمداد وعلل إنكاره، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه: وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا ولا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أتحسن إلى أعدائك، وأنا الصديق المحتاج! وهو المراد من قوله: "فقد جعلت مخاطبي عالمًا بزيادتي عليه"، وهو مع ذلك يمدني بالمال! وأما الفاء للتسبيب، فالمنكر الجملة الأولى، والثانية علة الإنكار، ولا يجب أن تكون العلة معلومةً عند المخاطب، فيجب الإعلام والتوبيخ على الجهل به، كأنه قال: لا أحتاج إلى ما آتيتمونيه، لأني غنيٌ، كما قال: أنكر عليك ما فعلت، فإن غنيٌ عنه.

قوله: (فما وجه الإضراب؟ )، يعني: أنكر عليهم نبي الله إمدادهم بالمال، وعلل الإنكار بكونه غنيًا عنه، فأي فائدةٍ في الإضراب عنه [إن] كان ذلك غير منكرٍ؟

وأجاب أن إنكاره عليه السلام على إمدادهم بالمال مآله إلى تجهيلهم، وأنهم غير عالمين بحاله، وأنه غنيٌ عن ذلك، ثم ترقى إلى الأخذ فيما هو الأهم من ذلك الإنكار، وهو الإعلام بأن ما جعلوه سببًا للإمداد أقبح من ذل الجهل، وذلك أن قصارى أمرهم الفرح بما يهدى إليهم، فقاسوا حال نبي الله بحالهم في أن ليس له الرضا والفرح إلا بالحظوظ العاجلة، هذا إليهم، فقاسوا حال نبي الله بحالهم في أن ليس له الرضا والفرح إلا بالحظوظ العاجلة، هذا إذا قدر الإضافة إلى المهدى إليه، أما إذا جعلت الإضافة إلى المهدي، أي: الفاعل، بأن يقال: وأنتم بهديتكم هذه تفرحون فرح افتخارٍ، فيكون المعنى: الذي منحنى الله من الدين والملك الواسع خيرٌ مما آتاكم، فلا أفرح بمثل هذه المحقرات التي تفتخرون بها، فأولى الضمير حرف الإضراب، ليفيد: أنتم خصوصًا تفرحون، فأتى بهذه ليفيد التحقير.

ويجوز على هذا أن يعتبر معنى تقوى الحكم من التركيب، فيفيد مطلق الرد، أي: أنتم لابد لكم أ، تفرحوا بمثل هذه المحقرات، أي: تمدونني بمالٍ وتزعمون أن من عادتي أن أفرح بأخذ الهدية! بل أنتم من حقكم أن تفرحوا به، فخذوها وافرحوا.

هو على هذا الوجه كنايةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>