للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فرح، إلا أن يهدى إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها. ويجوز أن تجعل الهدية مضافة إلى المهدي، ويكون المعنى: بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار على الملوك، بأنكم قدرتم على إهداء مثلها. ويحتمل أن يكون عبارة عن الردّ، كأنه قال: بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها.

(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَاتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) [النمل: ٣٧].

(ارْجِعْ) خطاب للرسول. وقيل: للهدهد محملا كتابا آخر (لَّا قِبَلَ): لا طاقة. وحقيقة القبل: المقاومة والمقابلة، أي: لا يقدرون أن يقابلوهم. وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه: (لا قبل لهم بهم). الضمير في (مِنْهَا) لسبأ. والذل: أن يذهب عنهم ما كانوا فيه من العزّ والملك. والصغار: أن يقعوا في أسر واستعباد، ولا يقتصر بهم على أن يرجعوا سوقة بعد أن كانوا ملوكا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: ({ارْجِعُ} خطابٌ للرسول، وقيل: للهدهد)، أي: المأمور في "ارجع" مفردٌ، والمقدم ذكرهم جماعةٌ، بدليل قوله: {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}، فيحمل إما على المصدر، كقولهما: {فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ١٦]، أو أن يجعل الخطاب للهدهد كما في قوله: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا}، أي: ارجع إليهم بكتابي {فَلَنَاتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ}، ويعضد الأول قوله: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}، لأن المعنى: إني مرسلةٌ إليهم بهديةٍ، أصانعه بها عن ملكي، فناظرةٌ ما يكون منه إما سلمًا، وإما حربًا، حتى أعمل على حسب ذلك، فإن نبي الله عليه السلام لما وقف على أن الهداية كانت مصانعةً منها، وأنها خالفت ما أراد منها بقوله: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَاتُونِي مُسْلِمِينَ}، احتد وغضب حميةً للإسلام، ولذلك عقب الأمر بالرجوع بالجملة القسمية المثبتة للذل والصغار، جزاءً على ذلك الصنيع بالفاء، يعني: والله لا يتخلف إتياني كذلك على رجوعك.

قوله: (ولا يقتصر بهم على أن يرجعوا سوقةً بعد أن كانوا ملوكًا)، الجوهري: الاقتصار على الشيء: الاكتفاء به، وتسوق القوم: إذا باعوا واشتروا، والسوقة: خلاف الملك، وقال الحريري في "درة الغواص": توهموا أن السوقة: اسمٌ لأهل السوق، وليس كذلك، بل

<<  <  ج: ص:  >  >>