بالجهل. السفاهة والمجانة التي كانوا عليها فإن قلت:(تَجْهَلُونَ) صفة لقوم، والموصوف لفظه لفظ الغائب، فهلا طابقت الصفة الموصوف فقرئ بالياء دون التاء؟ وكذلك (بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ)؟ قلت: اجتمعت الغيبة والمخاطبة، فغلبت المخاطبة، لأنها أقوى وأرسخ أصلا من الغيبة.
وقرأ الأعمش:"جواب قومه"، بالرفع. والمشهورة أحسن (يَتَطَهَّرُونَ) يتنزهون عن القاذورات كلها، فينكرون هذا العمل القذر، ويغيظنا إنكارهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هو استهزاء (قَدَّرْناها) قدّرنا كونها. (مِنَ الْغابِرِينَ): كقوله: (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ)[الحجر: ٦٠] فالتقدير واقع على الغبور في المعنى.
موضعه، ثم أضرب عن الكل بقوله:{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، أي: كيف يقال لمن يرتكب هذه الشنعاء: {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}؟ ! فأولى حرف الإضراب ضمير {أَنْتُمْ} وجعلهم قومًا جاهلين، والتفت في {تَجْهَلُونَ} موبخًا معيرًا.
قوله: (وقرأ الأعمش: "جواب قومه" بالرفع)، قال ابن جني: والحسن أيضًا، والنصب أقوى بأن يجعل اسم "كان" قوله {أَنْ قَالُوا} لشبه "أن" بالمضمر من حيث كانت لا توصف، كما لا يوصف المضمر، والمضمر أعرف من هذا المظهر.
قوله:(فالتقدير واقعٌ على الغبور)، أي: قدر الله وقضاؤه واقعٌ على الغبور، أي: كونها من زمرة الباقين في العذاب، لأن الذوات لا تعدد. قال الواحدي: جعلنا تقديرنا وقضاءنا عليها أنها من الباقين في العذاب.