للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على خلق العالم خير من جماد لا يقدر على شيء. وقرأ الأعمش: (أَمَنْ) بالتخفيف. ووجهه أن يجعل بدلا من الله، كأنه قال: أمّن خلق السماوات والأرض خير أم ما تشركون؟ فإن قلت: أي نكتة في نقل الإخبار عن الغيبة إلى التكلم عن ذاته في قوله: (فَأَنْبَتْنَا)؟ قلت: تأكيد معنى اختصاص الفعل بذاته، والإيذان بأنّ إنبات الحدائق المختلفة الأصناف والألوان والطعوم والروائح والأشكال مع حسنها وبهجتها بماء واحد. لا يقدر عليه إلا هو وحده. ألا ترى كيف رشح معنى الاختصاص بقوله: (مَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذلك، ألستم تقرون أنه خالق السماوات والأرض، وأنه خيرٌ من جمادٍ لا يقدر على شيءٍ.

قوله: (ألا ترى كيف رشح معنى الاختصاص)، الأساس: أصل الرشح. ترشيح الظبية ولدها تعوده المشي فيرشح، ورشحت القربة الماء، ورشح الكوز، وكل إناءٍ يرشح بما فيه.

وفي الاصطلاح: هو أن يعقب الاستعارة بصفةٍ ملائمةٍ للمستعار منه، مبالغةً لتناسي التشبيه، وأن المستعار له دخل في جنس المستعار منه، حيث تفرع عليه ما تفرع على المستعار منه.

والخلاصة: أن الترشيح كالتربية لفائدة كلام بولغ فيه، وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله: "رشح معنى الاختصاص" لا أنه ترشيحٌ اصطلاحيٌ، أما الاختصاص فهو مستفادٌ من الإضراب، ونفي الخيرية عن الشركاء، وإثباتها لله تعالى بعدما أثبتها له بقوله: {اللَّهُ خَيْرُ} على سبيل التبكيت.

وأما التوكيد فيه، فمن نقل الخطاب من الغيبة إلى التكلم، لأنه أقوى وأرسخ أصلًا منه، لأن الأصل أن يكون الخطاب بين الحاضرين، ولأن الأصل في الإخبار أن يخبر الإنسان عن نفسه، ثم عن نفسه وعمن معه، ثم عن المخاطب، ثم عن الغائب، ثم من

<<  <  ج: ص:  >  >>