كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) ومعنى الكينونة: الانبغاء. أراد أن تأتي ذلك محال من غيره، وكذلك قوله:(بَلْ هُمْ) بعد الخطاب: أبلغ في تخطئة رأيهم. والحديقة: البستان عليه حائط: من الإحداق وهو: الإحاطة. وقيل (ذَاتَ)، لأنّ المعنى: جماعة حدائق ذات بهجة، كما يقال: النساء ذهبت. والبهجة: الحسن، .....
إيثار صيغة الجمع الدال على الكبرياء والعظمة، ثم رشح هذه المبالغة والتأكيد بقوله:{مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} على أن معنى {مَا كَانَ}: ما ينبغي، يعني: لا ينبغي ولا يصح، ولا يستقيم منهم أن يفعلوها، بل هو من خصائص من عظم شأنه، وجل سلطانه، فإنهم أحقر من ذلك، وهو المراد من قوله:"معنى الكينونة: الانبغاء"، ثم رشح هذا التحقير بالنقل من الخطاب في قوله:{لَكُمْ}، إلى الغيبة {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}[النمل: ٦٠] لعكس المعنى الأول، وهو الطرد والبعد والتحقير.
فانظر إلى هذه الرموز التي تسلب العقول، ثم انظر إلى إدراك المصنف مكانها، ولله قوله في الخطبة:"دراكًا للمحةٍ وإن لطف شأنها".
قوله:(من الإحداق وهو الإحاطة)، الراغب: الحديقة: قطعةٌ من الأرض ذات ماءٍ سميت تشبيهًا بحدقة العين في الهيئة، وحصول الماء فيها، وجمع الحدقة: حداقٌ وأحداقٌ، وحقد تحديقًا: شدد النظر، وحدقوا به: أحاطوا به تشبيهًا بإدارة الحدقة.
قوله:(وقيل: {ذَاتَ}، لأن المعنى: جماعة حدائق)، قال صاحب "الفرائد": لا ضرورة في زيادة لفظ الجماعة، لأن "حدائق" مؤنثةٌ واحدة، من حيث إنها جمعٌ، وهي كالنساء، فيقال: إن المصنف يحقق الأصل، ويقرر وجه الإفراد.
قال الزجاج: ويجوز في غير وجه القراءة: "ذوات بهجةٍ"، لأنها جماعةٌ، كما تقول: نسوتك ذوات حسنٍ، وإنما جاز {ذَاتَ بَهْجَةٍ}[النمل: ٦٠]، لأن المؤنث يخبر عنه في الجمع بلفظ الواحدة إذا أردت الجماعة، كأنك قلت: جماعةٌ ذات بهجةٍ.