للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حيث يقولون: ما في الدار أحد إلا حمار، يريدون: ما فيها إلا حمار، كأنّ أحدا لم يذكر. ومنه قوله:

عشيّة ما تغني الرّماح مكانها … ولا النّبل إلّا المشرفي المصمّم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فهو إلى باب عموم المجاز أقرب من إرادة الحقيقة والمجاز معًا.

ومما يقوي هذا التأويل ما ذكره صاحب "التقريب"، وفي الكلام تعقيدٌ ينحل ببيان أمرين: الأول: توقف النكتة على لغة التميمي، والثاني: موازنة الآية بالبيت. أما الأول، فتلخيصه: إن كان الله ممن فيهما، وهو يعلم الغيب ففيهما من يعلم الغيب، أي: استحالته كاستحالته. وأما الثاني: فلتوقفها على تقدير شرطية مثل: إن كان اليعافير أنيسًا ففيها أنيسٌ، وهذا إنما يصح على التميمي، وجعله بدلًا من جنس الأول على سبيل الفرض والتقدير لتصح تلك الشرطية، وأما على الحجازي ونصبه على أنه مستثنى منقطعٌ، أي: مذكورٌ بعد "إلا" غير مخرجٍ، فليس فيه أنه من جنس الأول، لا حقيقةً ولا فرضًا، فقد انكشف المقصود، ولله الحمد.

قوله: (عشية ما تغني الرماح) البيت، النبل: اسم السهام العربية، والمشرفي: السيف، قال أبو عبيدة: نسب إلى مشارف، وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف، يقال: سيفٌ مشرفيٌ، ولا يقال: مشارفي، لأن الجمع لا ينسب غليه.

مكانها: أي: مكان الرماح، وهي الحرب، وقيل: مكانها، أي: نفسها، وهو الوجه. والمصمم: المحدد الذي يصيب المفصل، وعادة المحاربين أن يتناضلوا أولًا، فإذا تقاربوا حاربوا بالرماح، وإذا التقوا ضاربوا بالسيوف.

يصف التحام الحرب، والتقاء الصفين، بحيث لا يغني النبل ولا الرماح، ولم يبق إلا الضرب بالسيوف، أي: ما يغني إلا السيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>