للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولهم: ما أتاني زيد إلا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه. فإن قلت: ما الداعي إلى اختيار المذهب التميمي على الحجازي؟ قلت: دعت إليه نكتة سرية. حيث أخرج المستثنى مخرج قوله: إلا اليعافير، بعد قوله: ليس بها أنيس، ليؤول المعنى إلى قولك: إن كان الله ممن في السماوات والأرض، فهم يعلمون الغيب، يعنى: أنّ علمهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون الله منهم، كما أنّ معنى ما في البيت: إن كانت اليعافير أنيسا ففيها أنيس، بتا للقول بخلوّها عن الأنيس. فإن قلت: هلا زعمت أنّ الله ممن في السماوات والأرض، كما يقول المتكلمون: الله في كل مكان، على معنى أنّ علمه في الأماكن كلها، فكأن ذاته فيها حتى لا تحمله على مذهب بنى تميم؟ قلت: يأبى ذلك أن كونه في السماوات والأرض مجاز، وكونهم فيهن حقيقة، وإرادة المتكلم بعبارة واحدة حقيقة ومجازا غير صحيحة، على أنّ قولك: من في السماوات والأرض، وجمعك بينه وبينهم في إطلاق اسم واحد: فيه إيهام تسوية، والإيهامات مزالة عنه وعن صفاته تعالى. ألا ترى كيف قال صلى الله عليه وسلم لمن قال: ومن يعصهما فقد غوى:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (نكتةٌ سرية)، الجوهري: واستريت الغنم والناس، أي: اخترتهم، وهي سري إبله وسراة ماله.

قوله: (ومن يعصهما فقد غوى)، روينا عن مسلم وأبي داود والنسائي عن عدي بن حاتمٍ: أن رجلًا خطب عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله" وذلك أن في الجمع بالضمير ما يوهم التسوية، والعطف بالواو وإن دل على الجمع والتسوية في الفعل، لكن في الإفراد وجعل أحدهما متبوعًا والآخر تابعًا ما يزيل

<<  <  ج: ص:  >  >>