للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السوء، كأنه قال: وما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء إلا وقد علمه الله وأحاط به وأثبته في اللوح. المبين: الظاهر البين لمن ينظر فيه من الملائكة.

[(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)].

قد اختلفوا في المسيح فتحزبوا فيه أحزابا، ووقع بينهم التناكر في أشياء كثيرة حتى لعن بعضهم بعضا، وقد نزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه لو أنصفوا وأخذوا به وأسلموا، يريد اليهود والنصارى. (لِلْمُؤْمِنِينَ): لمن أنصف منهم وآمن، أي: من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (يريد اليهود والنصارى)، أي: يريد بقوله: بني إسرائيل: اليهود والنصارى لا اليهودي وحدهم كما الظاهر.

والمراد بالاختلاف ما شجر بينهم في المسيح عليه السلام، لقوله تعالى: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} [مريم: ٣٧]، وهم اليهود والنصارى في وجهٍ دون الوجه الآخر، وهم فرق النصارى من اليعقوبية والنسطورية، والملكانية.

والمقام يقتضي العموم، لأنه تعالى لما وبخ المشركين ووعدهم وهددهم بقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} وبين شمول علمه المعلومات كلها، وأنها ثابتةٌ في اللوح المحفوظ، ذكر أن هذا القرن نسخةٌ من بعض ما هو مثبتٌ في اللوح المحفوظ، لقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: ٧٧ - ٧٨].

ألا ترى كيف يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون، وهم يعلمون ذلك لو أنصفوا وأخذوا به وأسلموا، لكن هم شر ذمةٌ مكابرةٌ مثلكم أيها المشركون. {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} يوم القيامة {بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ} في انتقامه من المبطلين {الْعَلِيمُ} بالفصل بينهم وبين المحقين.

والدليل على استطراد هذا الكلام العود إلى تسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} بعد قوله: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}، وإلى تسمية المشركين بالموتى في قوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}.

<<  <  ج: ص:  >  >>