للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأذى، فلاءم ذلك أن يعلل توكل متوكل مثله، بأن اتباعهم أمر قد يئس منه، فلم يبق إلا الاستنصار عليهم لعداوتهم واستكفاء شرورهم وأذاهم، وشبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس، لأنهم إذا سمعوا ما يتلى عليهم من آيات الله فكانوا أقماع القول لا تعيه آذانهم وكان سماعهم كلا سماع: كانت حالهم لانتفاء جدوى السماع؛

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الستة وشيعت النار بالحطب، وشيع هذا بهذا: قواه به. المعنى: ويقويه ترك إتباعه بالعداوة والأذى.

قوله: (توكل متوكلٍ مثله)، كنايةٌ عنه صلوات الله عليه كأنه قيل: توكل متوكلٌ ممن هو بصددك في بذلك جهيداه في إيمان القوم حتى قيل له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ} [الكهف: ٦]، وممن هو له ناصرٌ، مثل ناصرك، كأنه قيل له صلوات الله عليه: أعرض عنهم وتاركهم، لأنك بالغت في الإنذار، وأعذرت، وإنهم لا يؤمنون البتة، ولم يبق لك إلا الاستنصار، والتوكل على الغالب القاهر لأعدائه، الناصر والمتولي لأوليائه، لأن الأصل: فتوكل عليه، لقوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ}، فوضع اسم الذات موضع الضمير، فأفاد في هذا المقام هذا المعنى.

الراغب: التوكل يقال على وجهين: يقال: توكلت لفلانٍ بمعنى: توليت له، ويقال: وكلته فتوكل لي، وتوكلت عليه: اعتمدته.

قوله: (أقماع القول)، النهاية: الأقماع: جمع قمع، كضلع وأضلاع: وهو الإناء الذي يترك في رؤوس الظروف لتملأ بالمائعات من الأشربة والأذهان، شبه أسماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ويحفظونه ويعملون به بالأقماع التي لا تعي مما يفرغ فيها، فكأنه يمر عليها كما يمر الشراب في الأقماع.

قيل: إضافة أقماع إلى القول بمعنى اللام، كأن آذانهم للأقوال كالظروف التي لا يبقى فيها شيءٌ من المظروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>