للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبارة عن كثرة العدد وتباعد أطرافه، كما وصفت جنود سليمان بذلك. وكذلك قوله: (فَوْجاً)، فإن الفوج الجماعة الكثيرة. ومنه قوله تعالى: (يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أبو جهل والوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة: يساقون بين يدي أهل مكة، وكذلك يحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار. فإن قلت: أى فرق بين من الأولى والثانية؟ قلت: الأولى للتبعيض، والثانية للتبيين، كقوله: (مِنَ الْأَوْثانِ).

[(حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ)].

الواو للحال، كأنه قال: أكذبتم بها بادئ الرأي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها، وأنها حقيقة بالتصديق أو بالتكذيب؟ أو للعطف، أي: أجحدتموها ومع جحودكم لم تلقوا أذهانكم لتحققها وتبصرها؟ فإن المكتوب إليه قد يجحد أن يكون الكتاب من عند من كتبه، ولا يدع مع ذلك أن يقرأه ويتفهم مضامينه ويحيط بمعانيه. (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بها للتبكيت لا غير. وذلك أنهم لم يعملوا إلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (الواو للحال)، أي: في {وَلَمْ تُحِيطُوا} أو للعطف.

فإن قلت: ما الفرق بينهما؟

قلت: على الحال يكون المنكر التكذيب المقيد بقيد عدم التدبر، فلا يكون كل واحد من التكذيب وعدم النظر منكرًا على الاستقلال، بخلافه في العطف، أي: لم جمعتم بين هذين المنكرين؟ فإن أنكرتموه فهلا تفكرتم فيها لما عسى أن يكون ذلك يؤديكم على التصديق؟ فإن من جحد كتابًا فلا يمنعه الجحد من قراءته.

قوله: (وذلك أنهم لم يعملوا)، تعليلٌ لتفسيره قوله: {أمَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: ٨٤] بأنه للتبكيت لا غير، لأن التبكيت لز الخصم إلى الإقرار بالمدعى، وأن ليس لهم جوابٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>