للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التكذيب، فلا يقدرون أن يكذبوا ويقولوا قد صدّقنا بها، وليس إلا التصديق بها أو التكذيب. ومثاله أن تقول لراعيك وقد عرفته رويعي سوء: أتأكل نعمي، أم ماذا تعمل بها؟ فتجعل ما تبتدئ به وتجعله أصل كلامك وأساسه هو الذي صحّ عندك من أكله وفساده، وترمى بقولك: أم ماذا تعمل بها؟ مع علمك أنه لا يعمل بها إلا الأكل، لتبهته وتعلمه علمك بأنه لا يجيء منه إلا أكلها، وأنه لا يقدر أن يدعي الحفظ والإصلاح، لما شهر من خلاف ذلك. أو أراد: أما كان لكم عمل في الدنيا إلا الكفر والتكذيب بآيات الله، أم ماذا كنتم تعملون من غير ذلك؟ يعني أنه لم يكن لهم عمل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{أمَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: ٨٤] إلا الإقرار بالتصديق أو التكذيب، إذ لا ثالث.

ولما كان المقام مقام الصدق لا يقدرون أن يقولوا: قد صدقنا بها، فلابد لهم أن يقولوا: كذبنا بها، لأنهم لم يعملوا إلا بالتكذيب، فقوله في المثال: "لا يقدر أن يدعي الحفظ والإصلاح لما شهر من خلاف ذلك" تعيين لمقام الصدق.

قوله: (أو أراد: أما كان لكم عملٌ في الدنيا إلا الكفر والتكذيب)، عطفٌ على قوله: "أكذبتم بها" إلى قوله: " {أمَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بها للتبكيت، و"أم" على الأول: متصلةٌ، وقوله: "ماذا كنتم تعملون؟ عبارة عن التصديق، يدل عليه قوله: "وليس إلا التصديق بها أو التكذيب" والسؤال سؤال توبيخ في مقام يضطر المخاطب إلى الصدق كما مر، فإنك إذا جعلت في مثل هذا المقام ما صح وثبت عندك يلي الهمزة "ما"، وليس بثابت يلي "أم"، فلابد أن يوافقك المخاطب فيما هو الأصل، وعلى الثاني منقطعةٌ، والهمزة في {أَكَذَّبْتُمْ} للتقرير، وفي "أم" للإنكار.

ولهذا قال: أما كان لكم عملٌ في الدنيا إلا الكفر والتكذيب، ثم أضربه عنه، وابتداء {أمَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} سائلاً عن العمل سوى التكذيب، لأنه هو المتهم بشأنه، فنفاه عن أصله، وإليه أشار بقوله: "لم يكن لهم عملٌ غيره" فإذا قرر التكذيب والكفر أولًا، ونفى غيرهما ثانيً، انحصر عملهم فيهما، إليه أشار بقوله: "كأنهم لم يخلقوا إلا للكفر والمعصية"

<<  <  ج: ص:  >  >>