للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غدًا، ويَعلمُ أنَّ كُلَّ نفسٍ بأي أرضٍ تموت ومثلُه جائزٌ في الكلام إذا رُوعِيَت نُكَتُه، ألا ترى إلى قوله تعالى: {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام: ١٥١] الآيات.

قال المصنِّفُ: لَمَّا وَردت هذه الأوامرُ مع النَّواهي وتقدَّمهُنَّ فِعلُ التَّحريم واشتَركْنَ في الدُّخولِ تحت حُكْمِه، عُلِمَ أنَّ التَّحريمَ راجعٌ إلى أضْدَادِها، وهي الإساءةُ إلى الوالدَين، وبَخْسُ الكيل، وتَرْكُ العَدْلِ.

فإن قلتَ: كيف التَّوفيقُ بين هذه الآية وبين تفسيرِها عن سَيِّدِ المرسلِين صلى الله عليه وسلم، على ما روينا في ((صحيح البخاريِّ))، عن ابن عمر، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مفاتيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ)) ثم قرأ: {نَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} الآية.

وفي روايةٍ: ((مفاتيح الغيبِ خَمْسٌ لا يعلمُها إلا الله: لا يَعلمُ أحد ما يكونُ في غدٍ إلا الله، ولا يَعلمُ أَحدٌ ما يكون في الأرحام إلا الله، وما تَعلمُ نفسٌ ماذا تَكْسِبُ غدًا، ولا تدري نفس بأيِّ أرضِ تموتُ، وما تدري نفسٌ متى يجيء المطر)) وما وردَ في الحديثِ المشهورِ في: ((خمسٌ لا يعلمهنَّ إلاّ الله))، فإنّه صلواتُ الله عليه أدخلَ كلّهن في علمِ الغيب على سبيلِ الحصر، فأين أداةُ الحصرِ، وإذا عطفَ ((يُنزِّل)) على الظرف خرج عن أن يَكونَ مِنْ جملةٍ العلوم فضلاً عن أنْ يَكونَ مِنْ عِلْمِ الغَيبِ؟

قلت -وبالله التوفيق-: أما دلالة التركيب على الحصر فقد مرَّ غيْرَ مرَّةٍ عن المصنِّف أنَّ اسمَ الله الجامعَ إذا وقعَ مسنَدًا إليه ثم يبني عليه الخبر على إرادةٍ تُقَوِّي الحُكْمَ أفاد تخصيصًا البتَّة. وهذا المقامُ ممّا يجب أن يُحتَجَّ به على صِحَّةِ مذهبِه، وإنَّما خولف بين {عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} وبين {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} ليدلَّ في الأَوَّلِ على مزيد الاختصاص وفي الثّاني على الاستمرار بحسب تجدُّدِ المتعلِّقات مع الاختصاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>