للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَإِنْ أَعْرَضُوا} بعد ما تتلو عليهم من هذه الحجج على وحدانيته وقدرته، فحذرهم أن تصيبهم صاعقة، أي: عذاب شديد الوقع كأنه صاعقة. وقرئ: (صعقة مِثْلَ صعقة عاد وثمود)؛ وهي المرة من الصعق أو الصعق. يقال: صعقته الصاعقة صعقًا فصعق صعقًا، وهو من باب: فعلته ففعل.

{مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} أي: أتوهم من كل جانب، واجتهدوا بهم وأعملوا فيهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلا العتو والإعراض، كما حكى الله عن الشيطان: {لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [الأعراف: ١٧]، يعني: لآتينهم من كل جهة، ولأعملن فيهم كل حيلة، وتقول: استدرت بفلان من كل جانب، فلم يكن لي فيه حيلة. وعن الحسن: أنذروهم من وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة؛ لأنهم إذا حذروهم ذلك فقد جاءوهم بالوعظ من جهة الزمن الماضي وما جرى فيه على الكفار، ومن جهة المستقبل وما سيجري عليهم. وقيل: معناه: إذ جاءتهم الرسل من قبلهم ومن بعدهم.

فإن قلت: الرسل الذين من قبلهم ومن بعدهم كيف يوصفون بأنهم جاءوهم؟ وكيف يخاطبونهم بقولهم: {فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ}؟ قلت: قد جاءهم هود وصالح داعيين إلى الإيمان بهما وبجميع الرسل ممن جاء من بين أيديهم- أي: من قبلهم- وممن يجيء من خلفهم- أي: من بعدهم- فكأن الرسل جميعًا قد جاءوهم. وقولهم: {فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ}: خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء الذين دعوا إلى الإيمان بهم. "أن" في {أَلَّا تَعْبُدُوا} بمعنى "أي"، أو مخففة من الثقيلة، أصله: بأنه لا تعبدوا، أي: بأنّ الشأن والحديث قولنا لكم: لا تعبدوا، ومفعول {شَاءَ} محذوف،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (كأنه صاعقة) قال: الصاعقة: قصفة رعد ينقض معها شقة من نار.

قوله: (صعقته) أي: أهلكته، (فصعق صعقًا)، أي: مات، إما بشدة الضرب أو بالإحراق.

<<  <  ج: ص:  >  >>