للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف عليه مدّة متطاولة، يقرأ عليه نحوًا ولغة وأشعارًا عربية وغير ذلك من الفنون الأدبية، وتمهَّر على أبناء زمانه، وناظر وبحث مع العلماء، واستجاد كلامه الفضلاء.

وكان يكتب الإنشاء لبعض الأمراء بالموصل، ثم ترقت به الحال إلى أن جذبه بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله إلى ديوان المكاتبات. وكان رأس الكتّاب به، وتنبّه له الجدّ الراقد؛ فلما كملت آدابه ... نجم فضله وشهابه، جذبه المولى الملك /٤٨ أ/ الرحيم إلى خدمته، وأفاض عليه من جلابيب نعمته، وألقى شعاع سعادته عليه، وصار أقرب العالم إليه، وأوفرهم حظًّا لديه، وجعله منشيء دولته القاهرة، وجليس حضرته الزاهرة. وأنفذ رسولًا إلى عدّة جهات، وصار ذا نعمة واسعة، وثروة وافرة.

أنشدني لنفسه يمدح المولى المالك الملك الرحيم، بدر الدنيا والدين، عضد الإسلام والمسلمين، شرف الملوك والسلاطين أبا الفضائل نصير أمير المؤمنين -خلد الله دولته-: [من الطويل]

لك الله فأمر وانه فيما تريده ... فصرف اللَّيالي عن جنابك مصروف

محلُّك مصرٌ أنت فينا خصيبه ... ودجلةٌ نيلٌ والحمى دونه الرِّيف

لقد لمحت ... بالنَّدى ... كأنَّك بالإحسان في النَّاس مشعوف

فكلُّ ملوك الأرض عندك سوقةٌ ... وكلُّ شريفٍ عند فضلك مشروف

ولي كلَّ يومٍ منك نعمى جديدةٌ ... ولي كلَّ عامٍ من نوالك تشريف

وأنشدني أيضًا من قيله: [من الطويل]

أرى كلَّ مشتاقٍ إذا أدرك المنى ... وشاهد من يهواه قلَّ به الوجد

فسلَّمت من بعدٍ عليك صبابةً ... وفرط الجوى بادٍ وما ضرَّنا البعد

/٤٨ ب/ وإنِّي لأستحيي العلا أن تقول لي: ... أمالك من ربِّ العلا والنَّدى عهد

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من البسيط]

ما إن ذكرتك والذِّكرى مولِّهةٌ ... أستغفر الله إلَّا قلت واأسفا

وما تمثَّلت في قلبي وفي بصري ... إلَّا هفا ذاك من شوقٍ وذا وكفا

<<  <  ج: ص:  >  >>