وكان قد ندبه الأمير أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن عبد المؤمن لكشف أحوال القضاة الولاة على البلاد، ثقة بعدالته وأمانته، فتوفي في تلك السفرة في دولة الأمير محمد بن يعقوب قبل السنة العاشرة والستمائة، والله أعلم بصحة ذلك. وكان نحويًا /٢٣٠ ب/ حاذقًا بصيرًا بعلم العربية، إمام زمانه في معرفتها وإتقانها؛ وهو صاحب المقدمة الجزولية المشهورة في علم الأعراب التي سارت وانتشرت في الآفاق، واستجادها أهل هذا الشأن، واستحسنوها غاية الإستحسان، وشهدوا لمصنفها بالتبريز والسبق على أبناء جنسه استخاروها على مصنفات القدامى من النحاة، وكتبت بها النسخ لكونها فريدة في معناها. وكانت وفاته في حدود سنة خمس وستمائة بهسكورة من بلد مراكش.
أنشدني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله الفقيه المدرس الحنفي بمحروسة حلب، بمنزله المعمور في سنة أربع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أبو الحسن يحيى بن معطي بن عبد النور المغربي النحوي، قال: أنشدني أبو موسى لنفسه، يذكر فضل شيخ من العلماء، وكان رجلاً صالحًا يعرف بأبي العباس الفقيه:
[من السريع]
أقول قولاً ماله منكر ... إلإَّ امرؤٌ أحمق مستكبر:
إنَّ أبا العبَّاس ممَّن به ... يستنزل الرِّزق ويستمطر
/٢٣١ أ/ بقيَّةٌ من سلف صالحٍ ... كان كما كانوا فما يكدر
كنت لعمري إن جري ذكره ... أظنُّه من بعض من يذكر
فاليوم لا أرتاب في فضله ... صدَّق عندي الخبر المخبر
جالست منه الشَّمش في قدرةٍ ... وأبحرًا في العلم لا تعبر
هم بنو الدُّنيا بما ناله ... في العلم والتَّقوى فلم يقدروا
أبصر ما لم يبصروا بعدما ... شاركهم في كلِّ ما أبصروا