للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإدراك ما يحاوله من رصيده كفيلة, إلاّ أنه شهر بالهجاء فهو أكثر ما يروى عنه.

قدم علينا في شهر ربيع الأول من سنة ثلات وستمائة, وكنت أسمع بأشعاره, وأتشوق إلى أخبارة, ولا أطمع نفسي في لقائه, ولا أمنّيها إلاّ سماع أنبائه, إلى أن خطر الدهر خطر أنه, وأرخى القدر فجاذبه عنانه, فوردإربل قاصدُا بلاد العجم للتجارة, وله ثروة وافرة, وجدة لا تقللها المكاثرة, وهو إلى الآن مشهور عند الملوك ذكره, نابهّ عند الأكابر في قدره.

ولقد بلغنني عنه, أن بدمشق له منزل- من الملك العادل سيف الدين- مكينة, ومحلّة عند وزيره جليلة, صار بهما مميزُا على أشكاله وأكفائه, مقدمُا على أمثاله ونظرائه, وسأورد من أشعاره التى أنشدنيها, ما يشهد بوجودة ألفاظها, وصحة معانيها.

وحدثني القاضي الإمام بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب بحلب- أيده الله تعالى-, قال: حدثني أبو المحاسن محمد بن نصر بن عنين الدمشقي في صفر سنة خمس وعشرين وستمائة عند عودي من الحجاز, قال: كنت بخوارزم بين يدي الإمام العلاّمة فخر الدين الرازي- رضي الله عنه-, وكان الزمان شتاء, والثلج واقع, وإذا بعض الجوارح قد طرد حمامة, فألجأها الخوف إلى أن دخلت المدرسة التي نحن فيها, ثم وصلت إلى الإمام فخر الدين بطريق الاتفاق, فقبضها بيده, ومضى الجارح لسبيله, فعلمت بديهّا هذه الأبيات:

[من الكمال]

يا أبن الكرام المطمعين إذا شتوا ... في كُل مسغبة وثلج ختاشتف

العاصمين إذا النفوس تطأيرت ... بين الصوارم والوشيج الرّاعف

من أنبأ الورقاء أن محلكم ... حرمّ وأنك ملجاّ للخائف

وفدت عليك وقد تدانى حتفها ... فحبوتها ببقائها المستأنف

جاءت سليمان الزمان بشكوها ... والموت يلمع في جناحي خاطف

<<  <  ج: ص:  >  >>