ولم يمكّن أحداً من الوصول إليه، ويتخلّى بنفسه، ويديم الفكر ويكتب ثم يخرق ما يكتبه ويعاود النظر فيه زمانًا طويلاً، فإذا تمَّ له الغرض من المعنى المطلوب اعتبره /٢٩ ب/ أيضًا، وأنفذه فيكون ارتفاع الكتاب في مدَّة يوم وليلة أو أكثر، فيأتي كأحسن شيء يوضع ويضع.
شاهدته مراراً لا أحصيها كثرةً، وحضرت مجلسه أيام كان أخوه أبو الحسن حيًا.
وكان شيخًا طويلاً، بهي المنظر، حسن الهيأة واللباس، نقي الشيبة، نظيف الثياب، عليه أبهة ذوي الرئاسة والجلالة.
وكنت أعاين من زعارة أخلاقه ونزاقته، وضيق عطنه ما يبغض به نفسه إلى كل من يسمع به، فكيف من يراه ويحادثه! وربما كنت أساله عن معنى بيت شعر أو تاريخ وفاة بعض الفضلاء فيجيبني من غير انزعاج ولا غضب بأحسن جواب. وكان في بعض الأوقات يستدعي مني الكلام، ويسألني عن الأمر الذي سمت نفسي إلى عمله وألزمتها به، فأذكر له ذلك فيستحسنه ويقول لي: ما قصرت، فأدعو له.
استجزته فأجزني جميع مصنفاته ورواياته وما يدخل تحت الإجازة، وكتب ذلك لي بخط يده في صدر /٣٠ أ/ إجازتي. وسألته عن ولادته، فقال: ولدت يوم الخميس العشرين من شعبان سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بالجزيرة العمريّة وخبرت أنَّه انحدر إلى مدينة السلام في رسالة عن صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله، فتوفي بها يوم الإثنين سلخ ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة. ودفن بالجانب الغربي بمشهد الإمام موسى بن جعفر- عليه السلام- رحمه الله تعالى.
ومن تصانيفه كتاب "الوشي المرقوم في حلّ المنظوم"، وكتاب "الرسالة المخترعة في المعاني المبتدعة" وكتاب "التوصُّل إلى علم الترسُّل" وكتاب "المثل السائر فيما يحتاج إليه الكاتب والشاعر"، وكتاب "الاستدراك" وهو مما استدركه على الشيخ أبي محمد سعيد بن المبارك بن الدهان النحوي في رسالته التي ترجمها: ب" الرسالة السعدية في المآخذ الكنديّة من المعاني الطائية"، /٣٠ ب/ وكتاب ديوان رسائله في نحو عشر مجلدات، وغير ذلك من المصنَّفات.