للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصدقائه جوابًا عن كتابه وهو:

"وصل كتاب فلانٍ، جعل الله أقلامه للبيان طليعة، وللبنان وشيعة، وللإحسان شريعة. ولا زالت تروض نبيض حكمها صفحة القرطاس، وتدير بها على الخواطر ما تديره الحميّا في الكأس، وتخرج منها شرابًا مختلفًا ألونه فيه شفاء للناس، فتأنق لي حتى حسبته روضةً فمددت يدي لاقتطاف زهرها، وارتشاف ثمرها، وأعطيت النفس ما شاءت من حظ سمعها وبصرها. ثم إنّي عدت على نفسي منبهًا، ورجعت في التشبيه الذي كنت مشبِّهًا، وقلت: أين حوك الدِّيم من حوك القلم؟ وأين زهر الروض الذي يمضي أوانه وتحول ألوانه، من زهر اللفظ الذي تبقي أفوافه، ويترفع عن منال /٣٢ أ/ الأيدي قطافه: [من الكامل]

تنسى الرِّياض وما يروِّض فكره ... أبداً على مرّ اللَّيالي يذكر

ولمًّا وقفت عليه، أهدى إلي أرج طيبٍ، وجلا عليَّ وجه حبيب، وزارني على أنس مزاره في حسنٍ غريب، فقلت: أهلاً بمن عمر مجلسي من زور هنائه، وألبسني ثوبًا من سناه وسنائه. ثم حيّيته تحية التعظيم، وصافحته مصافحة التسليم، وجلست منه مجلس التعلم، وأجلسته مجلس التعليم: [من البسيط]

لا يستقى من جفير الكتب رونقه ... [كلاَّ ولم تستقي من بحره الكتب

ومما جدته منه أنَّه ألقى بين جوارحيّ جسداً، وخصًّ منها عينًا وقلبًا ويداً، فلليد منه على العين بفضّ ختمه، وللعين منه على القلب بنقل مسطوره إلى فهمه.

ولقد أقدم مرسله عليَّ بمقدمه، واراني وجهه الكريم في مرآة قلمه، وفي نجوى الكتب على بعد الدار، تمثيل لروية الأبصار،

<<  <  ج: ص:  >  >>