ومما عظم الرزء به أنّه أتى عقيب رزء فجعه بفجعه، وكان يستهول أحدهما وهو وتر فبدل الوتر فيه بشفعه. فيا ويح الإسلام فجعأولا بناصره، وفجع الآن بظاهره، وقر بالوقت بينهما حتى كاد يعثر أوله بآخره فلم تفق النفوس من برحائها إلا وافت ما طوى مضضها على مضض، ووقع ذلك منها موضع نكسة عطفت على مرض، ونكأ القرح بالقرح أوجع، وذهاب فرع العلياء بعد أصله ذهاب بالعلياء أجمع.
وكلا هذين الحادثين، رمى الناس بسهم عائر (١)، ليس عليه من صابر، وما كان الله ليسوء دينه بمصاب خليفتين، ولا يجلو ظلمته بصباح سافر. وقد جاء بسيدنا ومولانا المستنصر بالله أمير المؤمنين، فأرضى به كل قلب سخط ولم يرض، وقيل هذا بدل الكلّ من الكلّ لا بدل البعض من البعض. وكان الناس على خطر من انتقاض أمرهم فأتيح لهم إبرامذلك النقض، ونسى ما تقدّم من البرح ودمل /٤١ ب/ وما أعضل من القرح، وإن كثر الأسف على ليلتين مضتا برامة فقد أسلت عنهما ليلة السفح، والعبد قائم بهذا المقام، وقلبه متقسم للعزاء شطرا [و] للهناء شطرا. فإذا نطق بهذا أسبل دمعا وإذا نطق بهذا أبدى ثغرا، وهو نائب عن مرسله في أخذ البيعة التي يد الله فوقها، والسابق إلى يومها أفضل من المتأخر إلى غدها، وهي التي تجلّت بإثبات حسنتها أقلام السّفرة، وجعلها الله معدودة في بيعة العقبة وبيعة الشجرة. ولها يصح قول القائل:
[من البسيط]
وبيعة من قلوب غير شاردة ... ما كان في عودها ضعف ولا خور
لولا أنها لعتيق لم يمت حسرا ... سعد ولا قال: كانت فلتة عمر
وكذلك فإنّ العبد ينهي طاعة مرسلة، التي جعل يومه فيها كأمسه،