وعشرين وستمائة، ودفن من الغد بمقبرة المعافى بن عمران الزاهد- رضي الله عنهما- وصلّى عليه الخلق الكثير. وكانت جنازته مشهودةً، وأصابه/ ٢٢ أ/ دوسنطاريّا، فبقي بها خمسة أيام.
وأخبرني أنَّه ولد يوم الجمعة بين صلاتي الظهر والعصر ثامن شوال سنة اثنتين وستين وخمسمائة بالموصل.
وكان رجلًا متدينًا متواضعًا كثير الصلاة والذكر لله تعالى، يكره التكبر، ويلبس الملابس الخشنة؛ وكان ينظم الأشعار.
وقد ذكره الإمام أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الفقيه الشافعي الموصلي في تاريخه، وقال: قاضي الجزيرة، ولد بالموصل ونشأ بها وتوجَّه منها إلى عمِّه أبي الفتح المبارك بن يحيى إلى الجزيرة العمريَّة. وكان يومئذٍ قاضيها فأقام عنده وتفقه بها على الرضي إبراهيم بن محمد بن مهران، ثم على محمد بنوزي المدرس بها، وتميز في معرفة المذهب، وتولّى قضاءها في أيام عمِّه أبي الفتح وبعده؛ وبقي على ذلك مدّة، ثم ورد الموصل وأقام بها إلى حين موته. وكان على طريقةٍ حميدة من الديانة والتُّقى والاحتياط في الطهارة والمحافظة على الصلوات الخمس.
وكان فيه فضل /٢٢ ب/ وتميُّز، سهل النظم والنثر، وروى الحديث بالإجازة عن أبي طاهر السلفي، وحجَّ إلى بيت الله الحرام، وتوجَّه بعد قضاء الحجّ إلى زيارة البيت المقدّس.
وكانت تلحقه وسوسةٌ حين يتوجَّه إلى الصلاة ويدخل فيها؛ هذا آخر كلامه.
أخبرني من أثق بقوله، قال: حدثني قاضي الجزيرة أبو طاهر يحيى بن الفضل، قال: شرعت يومًا لأصلي صلاة العصر، فأذّنت المغرب ولم أعقد النيَّة وذلك لما كان يصيبه من الوسواس. وكان ربما ركع الخطيب وهو قائم لم يتم عقد النيَّة. رأيته مرارًا يفعل ذلك يوم الجمعة- رحمه الله تعالى-.
ومما أنشدني لنفسه واملاه عليَّ من لفظه بالموصل في سنة اثنتين وعشرين وستمائة:
[من الكامل]
أمَّا اصطبارك والسُّلوُّ حرام ... والدَّمع ما منه إليك ذمام