وكان شيخًا خليعًا منهمكًا في الشرب مصرًّا عليه مع كبر السن والشيخوخة، امتدح الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب وبعده لولده الملك العزيز محمد ثم لولده السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف –خلّد الله ملكه-.
وكان على كبر سنه ينبعث خاطره بالشعر وتسمح قريحته بالنظم ويقصد الناس على أقدارهم، ولم يزل مقيمًا بحلب إلى أن توفي ليلة يوم الجمعة رابع ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وستمائة –تجاوز الله /٥٦ أ/ عنه ورحمه-.
ومما أنشدني لنفسه يمدح الأمير الكبير مظفَّر الدين عثمان بن منكورس بن خمارتكين –صاحب صهيون-: [من البسيط]
زار الخيال من الإلف الذي بانا ... واللَّيل كاس فعاد الصُّبح عريانا
طيفٌ ألمَّ بنا وهنًا فأطفأ من ... لواعج الواجد والبلبال نيرانا
كفى من البين قتلى لا حياة لنا ... حتَّى أتانا وحيَّانا فأحيانا
فقلت أهلًا بطيف إذ ألمَّ بنا ... جلا همومًا وأفكارًا وأحزانا
وبتُّ أرشف راحًا من مراشفه ... ومن سوالفه أستاف ريحانا
ومن معاطفه أثني قضيب نقًا ... غضًّا إذا ما تثنَّى يخجل البانا
غضًّا أرانا أقاحًا فيه مبتسمًا ... وجلَّنارًا وتفَّاحًا ورمَّانا
حتَّى انتبهت وكفِّي من زيارته ... صفرٌ فعاد الأسى إذ عدت يقظانا
وأقبل الهمُّ تغزوني عساكره ... وقلت ليت الَّذي قد كان لا كانا
وحاولت مهجتي عونا فما وجدت ... سوى المدامع أنصارًا واعوانا
واغرورقت مقلتي بالدَّمع وانبجست ... حتى لقد غادرت في الأرض غدرانا
/٥٦ ب/ دمع جرى دافقًا كالسَّيل أو كيدي ... مظفَّر الدِّين بحر الجود عثمانا
الباسل الباذل الرِّفد الَّذي غمرت ... نعمى يديه الوَرَى سرًّا وإعلانا
وهو الَّذي عمَّرت مجدًا عزائمه ... علًا فطال النجوم الزهر أركانا
ما زال ينمو ويسمو في مصائده ... حتى تجاوز بهرامًا وكيوانا
بناه حامي ثغور المسلمين ومن ... مازال مذكان مطعامًا ومطعانا
غمر النَّدى باسم ينهلُّ من يده ... غيث السَّماح على القصاد هتَّانا