للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورحل مع خاله نجم الدين أبي الفتح يوسف بن الحسين بن المجاور الدمشقي إلى ديار مصر، فأقام بها زمانًا طويلًا فتأدّب بها، وتفقه وقرأ علم الفرائض والحساب. وكان ربما ناب خاله أبا الفتح في بعض الأعمال السلطانية. وكان بمصر بخير وحُسن حال ونعمة وافرة، ذا أمر نافذ وجاه بسيط واستوزره الملك الأشرف شاه أرمن /٨٥ أ/ أبو الفتح موسى بن أبي بكر بن أيوب على خلاط وأعمال ما يقاربها من البلاد التي تحت حُكمه، واستقلّ في منصب الوزارة، وتقدّم عنده تقدُّمًا ما ناله أحدٌ من أبناء زمانه، وعلا أمره وحكمهُ في بلاده. فبقي كذلك مُدَّةً في أكمل جاهٍ وأوفى احترام.

ثم عزله عن وزارته وصرفه، فآثر أبو يوسف الإنفراد في منزله واختار الخلوة لنفسه، ورغب في العزلة والانقطاع إلى الله تعالى، والمحافظة على الصلوات الخمس والتمسك بأوامر الله ونواهيه، وغيَّر ملبوسه، وانقطع عن الناس في زاوية اتخذها لنفسه بسفح جبل قاسيون. وكان قد تضعضع حاله وبقي حلس بيته له من الدنيا ما يكفيه ويقوم بأوده.

شاهدته بظاهر دمشق بسفح جبل قاسيون يوم عيد النحر؛ وهو يوم الأربعاء في سنة تسع وثلاثين وستمائة؛ فرأيته شيخًا حسنًا لطيفًا هيوبًا متواضعًا عاقلًا رزينًا ذا وقار وسكون ونباهة وسمت؛ وله مع ذلك يد طولى في صناعتي النظم والنثر، ومعرفة بأخبار الناس /٨٥ ب/ وأشعراهم، وما قالوه من منظومٍ ومنثور، ومعاني القرآن العزيز، والحديث والنحو والتصريف واللغة؛ مع مشاركته بالفقه والأصول والدب والتفسير، وحلِّ التراجم وفنون الصناعة الكُتَّابية.

وصنَّف كتابًا مفيدًا ممتعًا سمّاه "تحفة الوزراء" فيما يتعلق بأمور الوزارة وقوانينها وأسبابها وآداب الملوك والدول وما ينبغي أن يجب من القيام بها، ولم يبق علم من العلوم الدينيَّة والأدبيَّة إلَّا وأودعه فيه نبذةً فجاء الكتاب محررًا بحيث إذا سُئل عنه أجاب جوابًا شافيًا، يدخل في عشرة أجلاد.

وجلُّ أشعار خاله الوزير نجم الدين أبي الفتح يوسف بن الحسين بن المجاور يرويها عنه، وأنشدني كثيرًا من شعره، وأملاه عليّ وكتبته من لفظه، ومن أشعار خاله المذكور.

<<  <  ج: ص:  >  >>