ومما أنشدني لنفسه وأملاه عليَّ يصف دمشق: [من الطويل]
سقى الغوطة الغنَّاء لطف غوانيها ... فأغنى عن الأنواء ترب مغانيها
/٨٦ أ/ ليسفر عن مثل الخدود شقيقها ... وتفترَّ عن مثل الثغور أقاحيها
تطالعنا للزَّهر فيها نواظرٌ ... ترقرق عبرات النَّدى في ماقيها
إذا رمدت بالشَّمس فالظِّلُّ كحلها ... وإن أمرضتها الرِّيح فالطَّلُّ آسيها
تريك صدور الغيد مدَّت معاصمًا ... إذا ما بدت أنهارها وسواقيها
ويحي موات اللَّهو نفحةُ سهمها ... ويقتل عمدًا مهجةض الهمِّ واديها
تروق إذا عنَّت وغنَّت عيوننا ... وأسماعنا أقمارها وقماريها
تخال أخضرار الرُّوض بين قصوره ... زبر جدةً قدر صِّعت بلاليها
تأزَّر من خضر الدَّوالي بسندس ... وتلبس بالإشراق وشيًا أعاليها
ترى كلَّ نهر تحت قصر كأنَّها ... كماة نضت للروع بيض مواضيها
وتحسب بين الحور غدران مائها ... جواشن ملقاةً خلال عواليها
فكم بركة تجلو الضُّحى إثر جدول ... كما مدَّ بالكأس الرَّويَّة ساقيها
إذا ما علاها الزَّهر قلت طفا بها ... حباب وإلَّا افترَّ فيها معاطيها
فقد شاهد الولدان في الخلد من رأى ... وطوبى له أبناؤها في مبانيها
أحنُّ إلى قوم عرفت الهوى بهم ... وأصبوا إلى أرض صحبت الصِّبا فيها
/٨٦ ب/ وكم ليلة فيها قبسنا مسرَّةً ... تزيد سناءً كلَّما اشتدَّ داجيها
بغانية عن منَّة الحلي عطَّلت ... مواشطها واستخدمت عين رائيها
وقد سكنت نفسًا إلى حسن وجهها ... فما سألت عنه عيون مرائيها
تريك قوام الغصن أورق ساجعًا ... إذا ما شدت تتلو المثاني مثانيها
وقد نام كاليها ومات حسودها ... وأقعد ساعيها وأخرس واشيها
بلادٌ على بعد المسافة لم أزل ... بقلبي وفكري كلَّ وقت أوافيها
سقاها فروَّاها ولو غيره حلا ... بفيَّ لما وفَّرته عن نواحيها
ولو لم أخذ إغراقها بأتيِّه ... لقلت: ندى الملك العزيز يغاديها