المظفر بن الحسين- صاحب الدعوة بمصياف- فسرحه على مال قررّه عليه، وذلك في سنة سبع وثلاثين وستمائة، فاتصل به وقرب من قلبه، وتولّى خدمته حتى كاد أن يكون بمنزلة الوزراء عنده. وأنفذه إلى عدّة جهات، وصار كاتبًا بين يديه ذا أمرٍ ونهي يحكم بكلامه، ويعمل بآرائه.
وكان اجتماعي به يوم الأربعاء العشرين من ذي /٢٣٦ أ/ القعدة بحلب المحروسة سنة سبع وثلاثين وستمائة، وافاها رسولًا من قبل مخدومه الصاحب سراج الدين أبي الفتح المظفر بن الحسين- أمير الطائفة الإسماعيلية- مجتازًا إلى الخوارزمية بحران وما والاها من بلاد الجزيرة.
وذكر أنَّه حفظ القرآن وعمره إحدى عشرة سنة، وأخذ الطب عن والده، وبرع في علمه، وشدا طرفًا من علم الحكمة، وتميّز فيه، وقال شعرًا مرضيًا.
وذكر لي أنه ولد في ربيع الأول سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وأنَّه يرجع في النسب إلى جرير بن عبد الله بن البجلي- صاحب رسول الله- وقرأ بدمشق على سيف الدين الآمدي أبي الحسن علي بن علي بن علي الفقيه الشافعي، وأخذ الأدب عن الشيخ أبي سعد الله بن قانت النحوي الحموي الضرير.
أنشدني لنفسه: [من الطويل]
عجبت لمن باع الهدى بالضَّلالة ... ومن يشترى دنياه بالدِّين أعجب
واعجب من هذين من باع دينه ... بدنيا سواه فهو أخزى وأخيب
أخرِّب ديني كلَّ يوم وارتجي ... عمارة ذي الدُّنيا ودنياي أخرب
كأنِّني ما بين الفريقين ضائعٌ ... فلا الدِّين مأمورٌ ولا العيش طيِّب
/٢٣٦ ب/ وقال أيضًا: [من مجزوء الكامل]
لا تأيسنَّ فربما ... نلت الأماني بعد حين
الدَّهر لا يبقى على ... حالٍ بغثٍ أو سمين
وأنشدني لنفسه: [من الخفيف]
كلَّما رمت أن أراه بعيني ... قال لي القلب داره في صميمي
فأناجيه في السَّريرة نجوى العبد للمالك العليِّ العليم