والتصاون، وإقامة ناموس الأسرة على عادة أبناء الملوك، وزي أهلها، بل يصنع من نفسه ما يحط من قدره ويزري بنسبه، مما لا يفعله رعاع الناس/٣٤ أ/ والأراذل من التبذل في الأسواق، ووقوفه راجلًا فيها، واطراحه للتكلف، ومحادثته للعامة، ومعاشرته للسفلة، وأرباب الحرف الدنيئة، شديد الطيش، بادي الخرق، عنده تهور ونقصان.
وكان قد جرت له وهلة مع أبيه، فأخذه وسجنه، وبقي مدة في السجن، ثم أطلق، ولم يكن في إخوته ممن له معرفة وفضل سواه، وهو منطلق اللسان، مغري بهجاء أسرته، وذوي الأقدار من الأمراء والصدور، وينشد شعره في الهجاء لمن يلقى من معارفه، ولا يستنكف من ذلك، ولا يتحاشى، ولا يؤاخذ فيما يفعله، لقربه من السلطنة.
فمن شعره ما أنشدني لنفسه: [من الكامل]
لو كان كأسك من مراشف فيه ... لصحا فؤادك من غرام فيه
بل إنَّه المحميُّ منه بلحظه ... كيف الورود وصارم يحميه
ووراء عقرب صدغه من خلفه ... ثعبان شعر عدوه يلويه
وعلى أقاحي نبت فيه شقيقة ... شقّت فؤاد متيَّم يجنيه
من وجهه الوضّاح يومًا أهتدي ... إذ لي بطرَّته ضلال التِّيه
كالغصن منثنيًا بدا لو أنَّه ... عنّي يد للعدل لا تثنيه
إنّي أشبِّهه وأعلم أنَّه ... جلَّت شمائله عن التَّشبيه
سكران غادرني به متشبِّهًا ... سكري هوى إذ سكره من فيه
وهو الَّذي ما إن يزال مقاطعًا ... حتى الكئيب لنحبه يقضيه
إن يحترق بالهجر جسمي ممكن ... فالعود يسرع حرقه ذاويه
وأنشدني في النارنج لنفسه: [من الكامل]
لله نبت عذار بدر دجى ... يسعى به عصن على دعص
لمّا استدار بوجنتيه كما ... دار الخسوف بحافة القرص
كملت محاسنه ومن عجب ... بدر يتمُّ بحالة النقص