للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصوفية، وعامة البلد، ولم يتخلف يومئذ عن جنازته إلاّ اليسير من الناس، وكان ذلك اليوم يومًا مشهودًا، من كثرة الخلق، وشدّة الزحام، والتمسك بنعشه، والتبرك به، والانعكاف عليه، والغلبة والجمع العظيم، فأوسعه الله رحمة ورضوانًا، وتغمده برحمته وغفرانه إنه سميع مجيب.

حثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أبي جرادة القيه الحنفي المدرس –أيده الله تعالى- قال: اجتمعت بالقاضي أبي محمد بحمص، وقد وافاها رسولاً، وأنا مجتاز إلى دمشق، وأقمت معه أيّامًا، ثم ودعته، وسرت إلى دمشق، ورجع بعدي إلى حلب، فكتب إليّ بهذه الأبيات إلى دمشق: [من الطويل]

إلى الله أشكو ما وجدت من الأسى ... بحمص وقد أمسى الحبيب مودِّعا

وأودع في العين السُّهاد وفي الحشا ... اللهيب وفي القلب الجوى والتَّصدُّعا

/ ١٢٥ أ/ ولله أيام تقضَّت بقربه ... فيا طيبها لو دمت فيها ممتَّعا

ولكنَّها عمَّا قليل تصرَّمت ... فأصحبت منبتَّ السُّرور مفجَّعا

وقد كان ظنِّي أنَّ عند قفولنا ... إلى حلب ألقى من الهمِّ مفزعا

فلمّا رأيت الدَّار هيَّج منظري ... إليها حنينًا كامنًا وتوجُّعا

فأنشدت بيتي شاعر ذاق طعم ما ... شربت بكاسات الفراق تجرّعا:

(فلا مرحبًا بالرَّسم لستم حلوله ... ولو كان مخضرَّ الجوانب ممرعا)

(ولا خير في الدُّنيا ولا في نعيمها ... إذا لم يكن شملي وشملكم معا)

وأنشدني القاضي أبو القاسم قال: أنشدني القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن من شعره: [من الطويل]

أنزِّه نفسي عن أمور شهيَّة ... وأكبحها عن أن تنال المطامعا

مخافة أن تعتاد نيل مرادهًا ... فأصبح من كأس المذلَّة كارعا

وأن مبيت الحرِّ جيعان قانعًا ... أعزُّ له مما إذا بات خانعا

<<  <  ج: ص:  >  >>