للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم شاهدته بحلب، وبدمشق، وكان رجلًا من أشد الناس حرصًا على حطام الدنيا، يجول البلاد، ويرحل إلى الملوك يسألهم ويدخل معهم في الأمور الجدية والهزلية بكل طريق فيختارون حينئذ منادمته، لما يشاهدون منه، فتارة يوهمهم أنه خطيب، يخطب على المنبر أيام الجمع ومرّة بصنعة الطرب، والغناء، وأخرى بقول الشعر والاستجداء به، وغير ذلك.

وكان يزعم أنَّ له فصولًا وعظية من إنشائه، ولم يكن عنده مما يزعم شيء، وذكر لي أنه ولد بمرند في سنة تسع وثمانين وخمسمائة. ومات بحلب في صفر سنة أربعين وستمائة.

ومما أنشدني وزعم أنه له، القصيدة التي تقدم ذكرها، وأوَّل القصيدة:

السَّعي في طلب العلياء لا الغزل ... والمجد يبنى على الخطيَّة الذُّبل

والعزُّ ما قاد نحو الهمِّ صاحبه ... وما عداه فأنفاس على علل

إن كنت تشكو إلى ورد الحمى ظمأ ... فاسق الحسام دمًا رطبًا على نهل

من لم يخض لجة الأخطار مبتدرًا ... عدَّته أقرانه في معشر عطل

إذا تدرَّع جنح اللَّيل ظلمته ... نضوت كالصُّبح عزمًا غير مرتحل

أنَّى أجوب على هوجاء جائية ... ظلَّت يضلُّ بها هادي بني ثعل

وجناء جنِّيَّة الأخلاق طائشة ... تلاحق الوحش إدراكًا على كلل

وقد تمطَّيت للإدلاج يعملةً ... حنَّت على كللٍ وجدًا إلى كلل

أجتاب بيدًا من الأيَّام ملتمسًا ... ميامن الغزل لا بيتًا من الغزل

ومنها قوله:

حتى إذا عالج النُّور الدُّجى سحرًا ... تعانق الصُّبح منه نفس مرتحل

وأقبل الأشهب الخقَّاق ملتقطًا ... [يجري] على حدق الجوزاء والحمل

والشمس تمحو من الظَّلماء آيتها ... كمحو كهف المعالي ككبري بن علي

<<  <  ج: ص:  >  >>