أبي المعالي سعيد بن عليٍ بن أحمد بن الحسين بن حديدة واستصحب أبا محمد معه، ورتب له مجلسًا حسنًا، ودعا لأمير المؤمنين الناصر لدين الله- رضوان الله عليه- فاستأذن والد الوزير في أن يتكلم أبو محمد، ويدعو للخليفة، فأذن له، وحين شرع في الكلام، أشار إليه صاحب الحجاب فخر الدين بن الدوامي بأن يقوم ويتكلم قائمًا على عادة من يتكلم بحضرة الوزير، فقال له الوزير: تكلم على حالك، وإذا وصلت إلى الدعاء للخليفة قم قائمًا فشرع وتكلم بكلام حسن، وكان المجلس حافلًا بالصدور والحجّاب والأمراء، وذلك في العشر الوسطى من ذي الحجة من سنة أربع وثمانين وخمسمائة. وبعد ذلك سافر والده إلى تكريت، فتقدم الوزير إلى المدرس بالنظامية، وهو يومئذ أبو طالب بن الخل بتسليم غرفة لأبي محمد يسكنها، فسلم إليه مفتاح الغرفة، فأقام على أمر العمارة، وما يخرج عليها، واستمر الحال على ذلك إلى أن عزل الوزير ابن مهدي عن الوزارة، وولي بعده نيابة الوزارة ابن مسينا فولّاه الأشراف من جانب الديوان على تكريت، وجميع أعمالها، وخلع عليه كما جرت العادة، وكتب له التوقيع بذلك فاستمر على هذه الولاية يشارف ما يفعله النواب بالمدرسة، وبمعاملاتها، ويضبط القيام بوظائفها، وتولى بيع المشاعات في أوقاتها، وما أجرى له من حاصلها، إلى أن صرف عن ذلك في أواخر سنة ثمان وستمائة، وأقام عند أبيه في النظامية إلى أواخر سنة عشر وستمائة، وأنفذه والده إلى تكريت، وفوض إليه النظر في بعض الوقوف التي بها هناك، وتولي أمرها، وما كان يتعلق هناك بوالده وبه من أسباب، إلى أن تقدّم الديوان العزيز إلى مستحفظ قلعة تكريت بالنظر في أمر الوقوف فتسلم ما كان بيده ويد غيره، فرجع إلى مدينة السلام في سنة اثنتي عشرة وستمائة.
من بيت القضاء والخطابة ببلده، والدين والعلم، وهو فاضل أديب، شاعر خطيب، له مؤلفات من الخطب والرسائل والأشعار، وقفت على جملة كبيرة منها.
وهو الآن بالنظامية، في غرفة من غرفها، لقيته بها في سنة تسع وثلاثين وستمائة، ويختلف إليه جماعة من المستفيدين يقرأون عليه أنواعًا من الأدب والفقه والقرآن وغير ذلك.