فمما أنشدني لنفسه قوله: [من الطويل]
خليليَّ قد بان الكثيب ولعلع ... وسحَّت لتذكار الأحبَّة ادمع
قفا فاعجبا من جفن عيني تواصلت ... به عبراتٌ والفؤاد مفجَّع
هم فارقوني واستقلَّت ركابهم ... وودَّع نومي مقلتي يوم ودَّعوا
وأصبحت ذا شجوٍ بغير مؤانسٍ ... وحيدًا وقد أقوت ديارٌ وأربع
أحنّ إلى رؤياهم كلَّ ساعةٍ ... واشتاقهم والشَّوق بالقلب مولع
وأذكر أيامًا تقضّت بوصلهم ... يكاد لذكراها الفؤاد يصدَّع
فقد كان لي عيشٌ هنيٌّ بقربهم ... ترى هل لنا في عود ذلك مطمع؟
قضى الله بالبين المفرِّق بيننا ... وما لقضاء الله في الخلق مدفع
ترى ترجع الأيَّام بعد تفرُّقٍ ... تجمُّعنا هيهات هيهات تجمع
وانشدني- أسعده الله- قال: كتب إليه هذان البيتان، وهما لبعض الشعراء في صدر كتاب من بغداد إلى تكريت: [من الطويل]
ولي بعدكم من بعدكم فرط لوعةٍ ... لها في صميم القلب لذع شهاب
سأغفر للأيّام كلَّ خطيئةٍ ... إذا بشَّرتني منكم بكتاب
فأجاب لنفسه: [من الطويل]
لئن كانت الأيَّام ضنَّت بقربنا ... فقد سمحت في وصلنا بكتاب
وقد يعقب الصَّبر الجميل مسرةٌ ... فدونك فاكتب واستعدَّ جوابي
وأنشدني عبد السلام لنفسه: [من البسيط]
أنهنه الدَّمع جهدي وهو منذرف ... فالقلب في تعب والصَّدر مرتجف
وأوحشت رحل الأحباب وانصرفوا ... دع الدُّموع على وجدي بهم تكف
وأسأل حداة المطيِّ إن هم وقفوا
يا غائبًا أثرت في القلب غيبته ... وأنبتت عندي الأسقام غربته
من داؤه البين قد عزَّت أطَّبته ... فلا تلم من نأت عنه أحبَّته
وغالبته يد الأسقام واللَّهف
قد كنت من بينهم مستشعرًا حذرًا ... لو كان فرط حذاري يدفع القدرا