ثم تعاطى الكتابة الإنشائية، وصناعة الترسل، فبرز في ذلك، وأجاد وفتح مكتبًا بحلب، يعلِّم فيه الصبيان، فبقي مدة في التعليم ثم عزله ...... والسفر عن الوطن، فتوجه إلى دمشق طالبًا لخدمة / ٥٤ أ/ الملوك، في سنة تسع وتسعين وخمسمائة، فاستقرَّ مقماه بدمشق، وتردَّد إلى الإمام تاج الدين الكندي، فقرأ عليه جملة، وصحبه مدة واستفاد منه أدبًا وفضلًا كثيراً، فنبغ بدمشق واشتهر أمره، فحينئذ استكتبه الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب لدولته، فلم يزل يكتب له الإنشاء إلى أن توفي المعظم، فخدم بعده مولاه الأمير عز الدين إيبك المعظمي واستوزره.
ثم طلبه الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب، فصار غليه، فأكرمه وقرَّبه وصحبه إلى الديار المصرية، ثم انفصل عن خدمته، وانضاف إلى الملك الجواد مظفر الدين يونس بن مودود بن أبي بكر بن أيوب، ثم فارقه، واتصل بخدمة الملك المنصور ناصر الدين أبي طاهر إبراهيم بن شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذي – صاحب حمص- وهو الآن في خدمته، وكاتب الإنشاء لدولته.
واجتمعت به بحلب، يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة من سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
/ ٥٤ ب/ وأنشدني جملة وافرة من أشعاره، أنا أذكرها بعد ذلك – إن شاء الله تعالى- وسمعت عليه جزءاً من الحديث النبوى، وأجازني جميع رواياته ومقولاته، وكان قدومه صحبة مخدومه الملك المنصور حين وردها معاونًا ومساعداً، ومجداً للسلطان صلاح الدين يوسف بن محمد بن غازي – صاحب حلب- لمّا تغلب الخوارزمية- لعنهم الله تعالى- على أكثر البلاد الشامية والفراتية، ونبهوا ..... واستباحوا حريمها، وكذلك ..... وجملة من القرى وأفسدوا وعاثوا فيها، فنصره الله عليهم، وبدد شملهم، وأكثر منهم القتل والأسر؛ فكان الله له ناصراً ومعيناً بمحمد وآله أجمعين.
وذكر لي أنه؛ اعتنى بتأليف كتاب عجيب في فنِّه، حسن الترتيب، لم يسبقه أحد من الأوائل الذين عنوا بهذا الشأن إلى ما وضع؛ وهو عشرون كتابًا؛ كل كتاب يشتمل على أغراض وفصول وأبواب، ويكون مجموع ذلك الكتاب ستين مجلداً، سمَّاه: