للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما مجيئه نكرة فمنعه قوم، محتجين بأن البيان كاسمه، والنكرة مجهولة، والمجهولا لا يبين المجهول، وأوجبوا البدلية فيما استند إليه المجيز، وأجازه آخرون وهو الحق؛ لوروده في آيات من القرآن، يتضح فيها عطف البيان، كقوله تعالى: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (١٦) } (١) فـ (صديد) نكرة. وهو عطف بيان لـ (ماء) وهو نكرة، وذلك أنه لما أبهم الماء بَيَّنَهُ بقوله: (صديد) ، وهو ما يخرج من أجواف أهل النار من قيح ودم وعرق. وكقوله تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} (٢) فـ (زيتونه) عطف بيان لـ (شجرة) .

وما احتج به المانعون مردود بأن بعض النكرات قد يكون أخص من بعض، والأخص يعين غيره.

وعطف البيان يوافق متبوعه في إعرابه. وفي الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، على ما تقدم بيانه في باب النعت. وسمي بعطف البيان؛ لأنه بمنزلة التفسير والبيان للأول باسم آخر مرادف له يكون أشهر منه.

قوله: (وَيُعْرَبُ بَدَلَ كُلٍ مِنْ كُلٍ إِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ إِحْلالُهُ مَحَلَّ الأَوَّلِ كَقَوْلِهِ: (أَنَا ابْنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ) وَقَوْلِهِ: (أَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلا)) .

القاعدة أن كل عطف بيان يصح أن يعرب بدل كل من كل؛ لما في البدل من تقرير معنى الكلام وتوكيده بكونه على نية تكرار العامل، إلا إذا امتنع إحلاله محل الأول فإنه يتعين كونه عطف بيان ولا يعرب بدلاً، كقول الشاعر:

(١) أنا ابنُ التاركِ البكريِّ بشرٍ ......عليه الطيرُ تَرْقُبُهُ وقوعا (٣)


(١) سورة إبراهيم، آية: ١٦.
(٢) سورة النور، آية: ٣٥.
(٣) البكري: المنسوب إلى بكر بن وائل. وهو بشر بن عمرو البكري. والمعنى أن الشاعر يصف نفسه بالشجاعة وأنه ابن الذي قتل البكري وتركه مجندلاً في العراء، تنتظر الطير خروج روحه لتنقض عليه فتأكله، فهو شجاع من نسل شجعان.

...إعرابه: (أنا) مبتدأ (ابن التارك) خبر ومضاف إليه (البكري) مضاف إليه من إضافة الوصف إلى مفعول (بشر) عطف بيان (عليه الطير) خبر مقدم ومبتدأ مؤخر (ترقبه) الجملة في محل نصب حال من (الطير) أو من ضميره المستتر في الخبر (وقوعاً) مفعول لأجله أو حال.

<<  <   >  >>