مبحث فى: التفسير الفقهى «الجامع لأحكام القرآن للقرطبى»
توطئة: كما كان التفسير نطفة فى ظهر علم الحديث لم تشب عن الطوق إلا بعد معرفة الأمة للتدوين.
ولقد سبق أن قلنا بأنه لما عرف الناس التدوين عرفوا التبويب فاستقل علم التفسير عن علم الحديث وبدا يستقل بنفسه فى كتب ودواوين كان من أهمها كتب التفسير بالمأثور المنقول عن الأجيال الثلاثة الأولى، فاستقر علم «التفسير العام» وكان تفسيرا «موسوعيا» يشمل جميع أنواع التفسير وألوانه التى يعرفها المعاصرون فى زماننا على سبيل الاستقلال: كتفسير المبهمات، وتفسير المتشابهات، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، أو ما أطلق عليها:«التفاسير المتخصصة».
فإن هذه التفاسير المتخصصة كانت هى الأخرى «أجنة» فى ظهر علم «التفسير العام» فما لبث الباحثون أن نقبوا على هذه التفاسير فى فنونها المختلفة حتى أخرجوها عن التفسير العام وأفردوا لها مؤلفات على سبيل الاستقلال. من هذه الألوان المختلفة يبرز لنا: التفسير الفقهى. أو: تفسير آيات الأحكام.
لمحة تاريخية سريعة: ولا شك أن النبى صلّى الله عليه وسلّم كان معنيا بطبيعة الحال حين كانت تنزل آية من آيات الأحكام أن يبينها للناس ويشرح ما فيها من أحكام شرعية. ثم جاء جيل الصحابة- رضى الله عنهم- بعد ما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولحق بالرفيق الأعلى، فكانوا يقرءون القرآن، فما فهموه بسليقتهم بحسب معطيات لغتهم التى يملكونها وميراثهم من النبى صلّى الله عليه وسلّم كانوا يفسرونه ويشيعونه للناس. وربما استجدت وقائع وأحداث على الأمة الإسلامية فتكلموا فيها واستنبطوا لها من آيات القرآن الكريم أدلة يستندون إليها.