والتداخل الذى التبس على بعض الناس هنا، أن النسخ لا يجوز لأنه يؤدى إلى البداء وهو أن يكون ثمة حكم ظهر لله تعالى بعد أن كان خافيا عليه، أو أنه أنشأ حكما جديدا كان يجهله- تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
والنسخ ليس كما ظن هؤلاء- وإنما هذا زعم اليهود ابتداء- إنما النسخ والمنسوخ أصلا فى علم الله ابتداء ظاهرة لديه لم يخف عليه منهما شىء، غاية ما هناك بالنسبة للمكلفين أن الله أظهر ما علمه لعباده- وهو عليم به- لا ظهور ذلك له، لحكمة يعلمها وهو أن الحكم المنسوخ منوط بحكمة أو مصلحة تنتهى فى وقت معلوم، كما علم- جل شأنه- أن الناسخ يجئ فى هذا الوقت المعلوم منوطا بحكمة ومصلحة معينة أخرى لتدرج أحوال المكلفين من الضعف إلى القوة، ومن السقم إلى الصحة.
[(٢) النسخ والتخصيص]
معنى التخصيص: هو أن تقصر الحكم على بعض الأفراد دون الجميع، أو هو:
قصر العام على بعض أفراده.
والتداخل هنا أن الذين توهموا أن النسخ يؤدى إلى البداء- بزعمهم- اخترعوا القول بالتخصيص للتخلص بدلا من القول بالنسخ، أى أن ما وقع فى القرآن من الآيات الناسخة إنما هى مخصصة للعموم فى ما ظنّ أنه منسوخ.
وهذا خلط تماما بين النسخ والتخصيص، والتخصيص أبدا لا يقوم مقام النسخ ولا يسد مسده لاعتبارات أهمها:
أولا: أن النسخ يجئ لإبطال حجية المنسوخ إمّا لجميع أفراده فيكون مبطلا للعام، أو مبطلا لبعض أفراده حسب الحكم الذى جاء به الناسخ.