ولكننا سنسلك هنا طريقا آخر للبحث حول هذا الموضوع. وإن كانت الطرق كلها تؤدى إلى الغاية المطلوبة التى هى «معرفة هذا الفن». حيث نسوق النصوص الواردة، والدالة على بيان أول النزول أو آخر النزول بحسب رواية أصحابها ممن شهدوا التنزيل، وعاصروا واقع الوحى من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم نفند هذه الروايات لنخرج منها على أصح فهم إن شاء الله- تعالى- على النحو التالى:
[عرض الروايات الدالة على أول ما نزل]
[القول الأول]
١ - أخرج الشيخان فى صحيحيهما عن عائشة- رضى الله عنها- قالت:
«أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، فكان يأتى حراء فيتحنث فى الليالى ذوات العدد، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة- رضى الله عنها- فتزوده لمثلها، حتى فاجأه الحق وهو فى غار حراء، فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد. ثم أرسلنى، فقال اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فغطنى الثالثة، حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ حتى بلغ (ما لم يعلم)، فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره».
٢ - وأخرج الحاكم فى «المستدرك»، والبيهقى فى «دلائل النبوة». عن عائشة- رضى الله عنها قالت:
«أول سورة نزلت من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وصححاه.
٣ - وأخرج الطبرانى فى «المعجم الكبير». بسند على شرط الصحيح عن أبى رجاء العطاردى قال:
«كان أبو موسى يقرئنا فيجلسنا حلقا، عليه ثوبان أبيضان، فإذا تلا هذه السورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ قال: هذه أول سورة أنزلت على محمد صلّى الله عليه وسلّم.