من خرجه إلا من اضطلع على كتب الحديث فيبقى من لا خبرة له بذلك حائرا، لا يعرف الصحيح من السقيم. وأضرب عن كثير من قصص المفسرين، وأخبار المؤرخين إلا ما لا بدّ منه، وما لا غنى عنه للتبيين. واعتدت من ذلك تبيين آيات الأحكام بمسائل تفسر عن معناها، وترشد الطالب إلى مقتضاها فضمنت كل آية تتضمن حكما أو حكمين فما زاد مسائل أبين فيها ما تحتوى عليه من أسباب النزول، وتفسير الغريب، والحكم. فإن لم تتضمن حكما ذكرت ما فيها من التفسير والتأويل».
عدم التعصب: يمتاز القرطبى بميزة فريدة فهو رغم أنه «مالكى المذهب» إلا أننا لا نجد أى بادرة من بوادر العصبية المذهبية، بل كثيرا ما ينقل عن ابن العربى الذى يتناول المذاهب الأخرى خاصة الحنفية بلسانه، وربما عاب عليه القرطبى وانتقده فى ذلك. والقرطبى يحمله الإنصاف إلى حدّ الدفاع عمن يهاجمهم ابن العربى من المخالفين مع توجيه اللوم إليه أحيانا.
وأيا ما كان فإن العلامة القرطبى كان مفسرا نزيها، عفّ اللسان، دفاعا عن أصحاب الآراء الأخرى بصرف النظر عن كونهم من المخالفين (١).
...
(١) الديباج المذهب فى معرفة أعيان المذهب لابن فرحون: ص ٣١٧ وما بعدها، التفسير والمفسرون ج ٢/ ٤٣٧ وما بعدها، مباحث فى علوم القرآن لمناع القطان ص ٣٨٠ وما بعدها.