العرب سبع مرات بين الجبلين لتبحث عن الماء الذي ينقذ ولدها إسماعيل من الموت، وفي كل مرة يخدعها سراب الجبلين فلاتجد شيئًا، وإذا بالطفل الصغير الذي يضرب برجليه على الأرض بلا سعي، فتنفجر المياه تحت قدميه الضعيفتين لتعمر بها المنطقة مدى الحياة، وتطهر الحجيج من جميع أنحاء العالم.
وما أروع التصوير القرآني في قوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} أي فلا حرج ولا إثم لمن يسعى بينهما، وفي هذا التصوير تشريع للسعي الجديد في الإسلام، ورفع الحرج عما اقترن بالسعي في الجاهلية من الشرك والأصنام، لأن المشركين كانوا يسعون بينهما متمسحين بالأصنام.
ثالثًا: الوقوف بعرفة:
يقول الله -عز وجل- في الوقوف بعرفة بعد أن شرع فرضية الحج في قوله:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} يقول تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[البقرة: ١٩٧-١٩٩] ، وما أروع التصوير القرآني لتدفق الحجيج من عرفات إلى المزدلفة والمشعر الحرام كفيضان البحر وانسياب الماء، وقد تجردوا من ذنوبهم وتطهروا من أدرانهم كما يطهر الفيضان أعماق الماء من أدرانه ومخلفاته، ليصير بعد الفيضان ماء صافيًا مناسبًا رائقًا.