والتفاخر والتمايز، فإنه يرجع بذلك إلى بداية حياته، وإلى نهايتها، وإلى يوم محشره، حين خرج إلى الدنيا مولودًا مجردًا من كل شيء تتلقاه لفاقة تستر عورته، وتحفظ جسده من الحر والقر؛ فهو أشبه بثياب الإحرام بلا مخيط ولا زينة، وكذلك حين يخرج من الدنيا فيلف جسده في لفافة أو لفافتين بلا مخيط ولا زينة ليشيع إلى مقره الأخير، ثم أخيرًا يبعث يوم القيامة مجردًا من كل ذلك، ليدل هذا كله على أن متاع الحياة الدنيا ذاهب، ومظاهر النعيم فيها عرض زائل، إلا ما كان في طاعة الله تعالى، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم:"ليس لك يا ابن آدم من مالك إلاما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، او تصدقت فأبقيت"١.
وحي أم القرى:
إذا أقبل الحاج على "أم القرى" رجع بعقله وقلبه إلى الماضي البعيد حين أذن خليل الله تعالى -عليه السلام- في الناس بالحج؛ ليظل هذا النداء باقيًا إلى قيام الساعة، يحرك المؤمن في شوق ولهفة أكثر من مرة، مصداقًًا لقوله تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج: ٢٧] ، كما يتذكر أيضًا دعوته المستجابة في أرض صحراء مقفرة، لا ماء فيها ولا زرع ولا ضرع، فإذا بها الماء والزرع والضرع، بل أكثر من ذلك حين تنهال على "أم القرى" دائمًا جميع الخضروات والفواكه لجميع فصول السنة من أنحاء العالم خلال العام كله، مما لا يوجد في أي قطر من أقطار الدنيا، مصداقًا لقوله تعالى على لسان إبراهيم -عليه السلام: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ