المشهورة -رضي الله عنهم جميعًا، تلك الخطبة الجامعة التي أوحت بأن دين الإسلام قد اكتمل، فقد جاء الحق وزهق الباطل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: ٣] ، وأن الرحمة قد عمت جميع الخلق، وتحقق قول الله عز وجل:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: ١٠٧] ، فأحس المسلمون بقلوبهم الطاهرة الصافية بأن هذا العام عام الوداع، وأن هذه الحجة هي حجة الوداع، إنهم يودعون خاتم الأنبياء والمرسلين، بعد أن أظهر الله على يديه الإسلام؛ فبكى كبار الصحابة -رضي الله عنهم- لمرارة الفراق، ولذلك سميت هذه الخطبة بـ "خطبة الوداع" التي أصبحت وثيقة تشريعية جامعة لمنهج الشريعة الإسلامية، حيث يقول في ختامها:"اللهم بلغت ثلاثًا اللهم اشهد".
وحي المزدلفة والمشعر الحرام والإفاضة:
بعد غروب الشمس من يوم عرفة يفيض الحجيج رجالًا وركبنًا إلى المزدلفة والمشعر الحرام طاهرين من كل الذنوب والأوزار كما ولدتهم أمهاتهم، فيباهي الله تعالى بهم الملائكة بأنه قد غفر لهم بعد أن وفقهم إلى أداء هذه الفريضة، فأمرهم بالذكر والشكر على هذه المنة بعد أن هداهم إليه في قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}[البقرة: ١٩٨] ، ثم يوجههم بعد الغفران إلى كيفية الدعاء والاستغفار النافع لهم في الدنيا والآخرة، فيقول سبحانه بعد ذلك مباشرة: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ