للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المدينة، واشترك النبي معهم، فكان يحمل الحجارة، ويحفر بيده، ويحرسه بنفسه ليكون قدوة حسنة للمسلمين من بعده، ويسيرون على نهجه وجده في العمل، ومن خلق الإسلام في العمل والإنتاج، أنه يضع المسلم في مكانه المناسب منه، ويرفعه إلى موقعه الصحيح، واعتبر ذلك مما يوجب النصح لله ولرسوله وللمؤمنين، ومما يوجبه أداء الأمانة التي أؤتمن عليها المسئول عن ذلك، وعكس ذلك يكون الغش والخيانة وضياع الحقوق، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: ٢٧] .

ويضع يوسف -عليه السلام- نفسه في العمل الذي يتقنه، فيقول للملك، قال تعالى: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: ٥٥] ، وتصف بنت شعيب موسى -عليهما السلام- مؤهلاته للعمل عند أبيها، قال تعالى: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: ٢٦] ، ووضع الرجل في مكانه المناسب من باب النصيحة في الدين؛ قال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم" "رواه الحاكم وصححه"، والرجل في غير مكانه يُعَدّ غشًّا وخداعًا، والغش والخداع يخرج المتصف بهما عن الإسلام والمسلمين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن غشنا فليس منا"، وأن ذلك من علامات الساعة، قال أيضًا: "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" ولذلك لعن الله الراشي والمرتشي؛ لأنهما يمنعان الحق عن صاحبه، ويضعان الرجل في غير محلِّه، وفي مكان لا يتناسب مع مؤهلاته، وطبق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنه- ذلك في حياتهم العملية، فوضعوا كل إنسان حسب ما يجيد من عمل

<<  <   >  >>