للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى لا يبدو منه شيء من أطرافه، وحتى كأن على رؤوس جُلَسَائِهِ الطَّيْرَ. وَيَتَحَدَّثُ مَعَ جُلَسَائِهِ بِحَدِيثِ أَوَّلِهِمْ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَضْحَكُ «١» مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ.

وَقَدْ وَسِعَ النَّاسَ بِشْرُهُ وَعَدْلُهُ. لَا يَسْتَفِزُّهُ الْغَضَبُ، وَلَا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا يُبْطِنُ عَلَى جُلَسَائِهِ.

يَقُولُ: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ «٢» » .

فَإِنْ قُلْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ «٣» لِعَائِشَةَ «٤» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الدَّاخِلِ عَلَيْهِ «٥» : «بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ» .. فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ وَضَحِكَ مَعَهُ، فَلَمَّا خرج سَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ» . وَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُظْهِرَ لَهُ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ، وَيَقُولُ فِي ظَهْرِهِ مَا قَالَ؟.

فَالْجَوَابُ أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْتِئْلَافًا لِمِثْلِهِ. وتطبيقا لِنَفْسِهِ لِيَتَمَكَّنَ إِيمَانُهُ، وَيَدْخُلَ فِي الْإِسْلَامِ بِسَبَبِهِ أَتْبَاعُهُ، وَيَرَاهُ مِثْلُهُ فَيَنْجَذِبَ بِذَلِكَ إِلَى الْإِسْلَامِ، ومثل هذا على هذا الوجه قد


(١) وضحكه صلّى الله عليه وسلم هو التبسم.
(٢) أي لا ينبغي له ان يغمز ويشير بطرف عينيه لاحد أن يفعل شيئا اخفاه ولم يتكلم به والحادثة كانت عند الفتح بسبب ابن أبي سرح الذي كان مهدر الدم ثم جاء ليبايع النبي صلّى الله عليه وسلم.
(٣) في الحديث الذي رواه الشيخان وغيرهما.
(٤) تقدمت ترجمتها في ج ١ ص «١٤٦» رقم «٥» .
(٥) تقدمت ترجمته في ج ١ ص «٧٠١» رقم «٧» .

<<  <  ج: ص:  >  >>