متى يمسك؟ الآن عندنا فيما أخذناه قبل متى يبدأ بطلب العلم؟ انتهينا منه، والخلاف فيه الطويل الذي تقدم في دروس مضت، ومتى يبدأ التدريس والتعليم؟ هذا موضوع اليوم، ومتى يكف عن التعليم؟ لأنه هل يقال للمتأهل: أجلس للناس إلى يوم الوفاة؟! أو هناك حد -سن- يقف عنده؟ السيوطي لما بلغ الخمسين قطع الدروس والإفتاء، وقطع أي ارتباط بالناس واتجه إلى التأليف، حتى مات عن ستمائة مصنف، يعني هذا ما ضاع وقته، كونه انتقل من شيء إلى شيء كلاهما محمود مطلوب، لكن إذا اجتمع الأمران ألف وعلم وأفتى هذا من نعم الله على الإنسان، شريطة أن يكون حريصاً على خلاص نفسه، قبل خلاص غيره، يعني يتحرى لنفسه أكثر من غيره، ما هو معنى هذا أنه يفتح الباب على مصراعيه، وكل ما طلب منه شيء تأهل له وإلا ما تأهل، الله يحيك، وإذا سئل عن مسألة ما تردد فيها، لا يعني هذا، يعني ينفتح للناس لكن بقدر استطاعته.
"وينبغي الإمساك -يعني عن التعليم- إذ يخشى الهرم" إذا ظهرت عليه أمارات التخليط، وكثر النقد الموجه إليه، وكثر سبق لسانه، وسبق فهمه إلى غير الصواب، هنا يقال له: لو اقتصرت على العبادة أفضل لك.
وينبغي الإمساك إذ يخشى الهرم ... وبالثمانين ابن خلاد جزم
يقول: لو وصل ثمانين خلاص يوقف، ولو كان من أحسن الناس فهماً، وأثبتهم عقلاً ورأياً؛ لأنه في الغالب أن الثمانين يخرف فيها الإنسان، يحصل فيها الخرف، لكن كل إنسان بحسبه مثلما قلنا في التمييز في بداية الطلب.
. . . . . . . . . ... وبالثمانين ابن خلاد جزم
مع أن أهل العلم ينصون على أن من بلغ الثمانين اتجاهه إلى العبادة والذكر والتلاوة أولى به، لكن النماذج في المتقدمين والمتأخرين ممن استمر في التعليم إلى أن وصل المائة أو جاوز المائة هذا موجود.
فإن يكن ثابت عقلٍ لم يبل ... كأنسٍ ومالكٍ ومن فعل
يعني جاوزوا الثمانين، واستمروا على التعليم، أنس جاوز المائة، مات عن مائة وثلاث سنين، لكنه في أواخر عمره يقول: سلوا الحسن، فإنه حفظ ونسينا، وهذا مما يرد كلام ابن خلاد الرامهرمزي، وأنه إذا بلغ الثمانين يقف عن التعليم.
إن الثمانين -وبغلتها- ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان