الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
التدليس: التدليس مأخوذ من الدَلَس، بالتحريك وهو اختلاط الظلام، والغلس والدلس متقاربان في المعنى والوزن، اختلاط الظلام؛ كأن الراوي لتغطيته بمن أسقطه إذا أسقط من إسناد الحديث أو غيَّر في اسم الشيخ الذي اشتهر به إلى ما لم يشتهر به كأنه غطى أمره على الواقف عليه، فأظلم، فصار دلساً؛ ظلمة مختلطة، لا يستطاع التمييز فيها.
والتدليس من أنواع السقط الخفي، من أنواع السقط الخفي الذي لا يتنبه له كثير من المتعلمين، بخلاف السقط الظاهر الذي تقدم الكلام فيه من التعليق والإرسال والانقطاع والإعضال يدرك بالمواليد والوفيات، سهل، لكن التدليس والإرسال الخفي أمره أشد، لا يعرفه إلا من كانت لديه خبرة، ومعرفة، ودربة، واطلاع على الرواة وطبقاتهم وشيوخهم والآخذين عنهم، وإمكان لقاء بعضهم لبعض، وعدم إمكانه، والتدليس خلط بعضهم كابن الصلاح ومن دار في فلكه بينه وبين الإرسال الخفي.
وللتمييز بين النوعين، للتمييز بينهما لابد أن نعرف أحوال الراوي مع من روى عنه، لا بد أن ننتبه لهذا، وإلا لن يتميز لنا التدليس من الإرسال الخفي؛ يعني إذا روى أبو هريرة مثلاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مما لم يسمعه منه بصيغة موهمة؛ هذا تدليس وإلا إرسال؟ إرسال، ولم يصف أحد أبا هريرة بالتدليس.
المخضرمون الذين عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن لم يتمكنوا من لقاءه، ولا السماع منه، إذا رووا عنه بصيغة موهمة؛ تدليس وإلا إرسال؟ إرسال خفي.