لأنه قد يقول قائل: أنا والله وقتي ما يسمح أن أنظر في المتون والأسانيد وأصحح وأضعف وأعلل وأنظر في كتب العلل، وأنظر في مختلف أنواع الحديث يعني العمر ما يستوعب هذا، وأنا مطالب بعلوم أخرى تتعلق بالقرآن، وتتعلق بالعقيدة، وتتعلق بالفقه وغيره، قد يقول: أنا يكفيني المتون المحكوم عليها بالصحة وأتفقه عليها، وهذه طريقة مسلوكة عند جمع من أهل العلم يعني يعتنون بما صح من السنة وما يمكن أن يستدل به من حسن ويكتفي بذلك عن النظر في الأسانيد والعلل وغيرها، وبعضهم يقول: لا، معرفة العلل أهم من الفقه في متون الأحاديث، وعلى كل حال الفقه هو الغاية، نعم تجدون بعض الناس همته في الأسانيد أكثر، بعض الناس همته في الرواية أكثر، وبعض العلماء همته في الدراية أكثر، وبعضهم يوفق للجمع بين الأمرين، يعني لو ضربنا ثلاثة أمثلة مثلاً: الشيخ ابن باز والألباني وابن عثيمين، الثلاثة كل واحد يختلف عن الثاني، وإن كان القاسم المشترك كلهم يتفقهون في السنة ومن علماء السنة، لكن لو نظرنا إلى الألباني رأينا عنايته بالأسانيد والتصحيح والتضعيف أكثر، وفقهه في هذا المجال أقل بكثير من عنايته بالثبوت من عدمه، والشيخ ابن باز -رحمه الله- وفق للجمع بين الأمرين على السواء، يعني له عناية كبيرة بالسنة، بالصحيح والضعيف وحفظ الأسانيد، وحفظ المتون، ومع ذلك له يد وله باع في الاستنباط والفقه.
الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يلاحظ عليه أن عنايته بالتفقه أكثر من عنايته بالثبوت من عدمه، لكنه لا يعتمد حديثاً ضعيفاً إنما يقلد في هذا، فإذا وضعت الشيخ ابن عثيمين في كفة والألباني في كفة وجدنا أن الشيخ ابن باز في القلب، يعني هذا واقع الشيوخ الثلاثة، كلهم على خير يعني، هم متكاملون، ما يقال: إن هذا مثلاً أهمل جانب مهم، وذاك أهمل، لا، هم متكاملون، وهذا واقع الشيوخ الثلاثة.