سنة ثلاثمائة وخمسة وثمانين، الإمام أبو الحسن الدارقطني إمام في الحديث والعلل، قل أن يوجد له نظير وكتابه لا نظير له في أبواب العلل، يعني من أراد أن يعرف مقدار هذا الكتاب يسمع ما قاله الحافظ ابن كثير فيه في اختصار علوم الحديث، لكن ليس معنى هذا أن المتوسط من طلاب العلم إذا سمع مثل هذا الكلام ذهب واشترى الكتاب وأدام النظر فيه، هذا يجعله ينصرف عن العلم بالكلية، هذا له أهله، يعني مثل ما قلنا مراراً: ابن القيم يمدح كتب شيخ الإسلام، وأثنى على كتاب العقل والنقل الذي لا نظير له في الدنيا:
واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظير ثانِ
ثم يذهب طالب علم يقرأ في العقل والنقل ونعرف كبار شيوخنا يتركون المائة صفحة بالجملة ما يقرؤونها، يعجزون عنها، ثم إذا قرأ مائة صفحة أو كذا قال: هذا ويش هذا الكتاب ذا؟ ويش العلم كله اللي من وراء هذا الكتاب؟ ثم يترك العلم بالكلية، طالب العلم يتدرج، ما يسمع هذا الكلام العظيم في هذه الكتب ثم يجرؤ عليها، ويتقحمها، ويخوض غمراتها، لا، أنا قرأت في منهاج السنة، وفي موضع من المواضع ثلاثمائة صفحة دبستها، ما .. ، قرأتها، لكن مع ذلك طالب العلم لا يمكن أن يستفيد منها، أو يفهمها، في موضع واحد، في موضع هذا المجلد الأول، وفي المجلد السادس أيضاً مائتين وقريب منها، وما عدا ذلك يعني طالب العلم يفهم، فأقول: مثل هذه البحوث التي يسترسل فيها شيخ الإسلام بحوث فلسفية منطقية ما يمكن أن يفهمها طالب العلم التي ليست له عنده مبادئ هذا العلم، المنطق، فالدارقطني لما أشاد به الحافظ ابن كثير انكب الناس على علله، والنتيجة مثل ما يحصل في كتاب العقل والنقل لشيخ الإسلام، ما تدرك هذه الأمور للطالب المتوسط، ما تدرك إلا لإنسان عنده ملكة ومعاناة ودربة ورزقه الله نفس حديثي، يستطيع أن يحاكي به أمثال هؤلاء الأئمة.