بعضهم يقول: إذا اشترطنا لتقوية المرسل أن يروى من وجه آخر مسند، يقول: ما الفائدة من المرسل إذا وجدناه مسنداً؟ إذا وجدناه مسنداً بسند متصل ما الفائدة؟ وجود المرسل مثل عدمه، والحجة في المسند، "فالمسند المعتمد ... فقل دليلان به يعتضد" المسند حجة قائمة بذاته برأسه، لا يحتاج إلى مرسل، والمرسل عرفنا صحته لما وجدنا ما يدعمه من الحديث المسند، فيكون في المسألة دليلان لا دليل واحد.
يقول: أليس قولهم: "علفتها تبناً وماءً بارداً" وقولهم: "وزججنا الحواجب والعيوانا" من المجانسة اللفظية مثل قول عمر: "نعمت البدعة"؟
لا هذا ليس من المجانسة اللفظية؛ لأنه لا بد له من تقدير: علفتها تبناً، وسقيتها ماءً بارداً، وزججنا الحواجب، وكحلنا العيون، هذا ليس مثله.
ما الفرق بين المرسل والمدلس؟ وما حكم مراسيل الحسن؟
مراسيل الحسن مضعفة عند أهل العلم؛ لأنه يرسل عن الثقات ويرسل عن الضعفاء، فمراسيله مضعفة، وأما الفرق بين المدلس والمرسل فالمرسل إن كان المقصود به المرسل الجلي الذي تقدم شرحه فهو ظاهر، فالمرسل: ما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمدلس: ما يرويه الراوي عن شيخ سمع منه ما لم يسمعه منه، أو شيخ لقيه ولم يسمع منه، ويري عنه مباشرة دون واسطة ويسقط الواسطة، وهو إرسال وتدليس، وهذا سقط خفي، وسيأتي شرحه -إن شاء الله تعالى-، والتفريق بين المدلس والمرسل الجلي، والمدلس والمرسل الخفي.
يقول: قررتم في الدرس السابق أن قول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكذا حجة، وأنه مرفوع عند الجمهور، وأنه لم يخالف في ذلك إلا داود الظاهري وبعض المتكلمين، وفي هذه النسبة إلى داود نظر ظاهر لكل ناظر غير متعسفٍ ولا مكابر، وبيان ذلك من وجوه:
الأول: أن الحافظ العراقي لما ساق المسألة في شرحه على الألفية قال: إلا ما حكي عن داود الظاهري، فلم يجزم بهذه النسبة مما يدل على أنه لم يقف على كلام داود، علماً بأن مصنفات الإمام داود فقدت في وقت مبكر، ولم يبق منها شيء كما في تاريخ الأدب العربي لبركلمان.
ثانياً: أن الإمام داود حكي عنه التوقف في هذه المسألة كما في الإبهاج في شرح المنهاج للسبكي.