وقد نقل أيضاً هذا المذهب مبهماً لقائله أبو محمد بن الخلاد في كتابه: الفاصل له، ابن خلاد الرامهرمزي في كتابه: المحدث الفاصل، ثم ذكره بإسناده إلى أن قال: وقال بعض المتأخرين من الفقهاء كل من روى من أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- خبراً فلم يقل فيه سمعت ولا حدثنا ولا أنبأنا ولا أخبرنا ولا لفظة توجب صحة الرواية إما بسماع أو بغيره مما يقوم مقامه فغير واجب أن يحكم بخبره، وإذا قال: حدثنا فلان أو أخبرنا فلان عن فلان ولم يقل حدثنا فلان أن فلان حدثه ولم يقوم مقامه من هذه الألفاظ احتمل أن يكون بين فلان الذي حدثه وبين فلان الثاني رجل آخر لم يسمه؛ لأنه ليس بمنكر أن يقول قائل: حدثنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بكذا وكذا، وفلان حدثنا عن مالك والشافعي وسواء .. إلى آخره، انتهى كلام ابن خلاد، وقد رددنا هذا المذهب بما فيه الكفاية، وإذا بان أنه قول لبعض الفقهاء المتأخرين فهو مسبوق بإجماع علماء الشأن، والله الموفق.
وقد بين ذلك أبو عمر بن عبد البر بما حكاه من الإجماع بعد أن ذكر بإسناده عن وكيع قال: قال شعبة: فلان عن فلان ليس بحديث، قال وكيع: وقال سفيان: هو حديث، قال أبو عمر: ثم إن شعبة انصرف عن هذا القول إلى قول سفيان، قلت: وما نقله مسلم -رحمه الله- عن العلماء الذين سمى ومن جملتهم شعبة من أنهم لا يتفقدون ذلك يدل أيضاً على رجوع شعبة كما ذكر أبو عمر، فقد بان أنه لا يعلم لمتقدم فيه خلاف إذا جمع رواته العدالة واللقاء والبراءة من التدليس، وأن شعبة رجع عن قوله، وقال الحافظ أبو عمرو المقرئ، الداني: وما كان من الأحاديث المعنعنة التي يقول فيها ناقلوها عن وعن فهي أيضاً مسندة متصلة بإجماع أهل النقل، إذا عرف أن الناقل أدرك المنقول عنه إدراكاً بيناً، ولم يكن ممن عرف بالتدليس، وإن لم يذكر سماعاً إلا أن قوله: إدراكاً بيناً فيه إجمال، وسنستوفي الكلام عليه في ذكر المذهب الثالث.